المذكرة رقم 4: ملاحظات العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بشأن مشروع القانون رقم 41.17 يتعلق بإعادة تنظيم مجلس الجالية المغربية بالخارج
تتقدم العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بملاحظاتها بشأن مشروع القانون رقم 41.17 يتعلق بإعادة تنظيم مجلس الجالية المغربية بالخارج، حيث مافتئت العصبة في مختلف محطاتها التنظيمية أو التكوينية تولي هذا الموضوع كامل عنايتها، وأفردت لها في مؤتمراتها الوطنية وثيقة خاصة بحقوق المهاجرين واللاجئين وضحايا الاتجار في البشر.
إن التشخيص الموضوعي والحقوقي للوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة المقيمين بالخارج، يؤكد بالملموس النتائج المتواضعة جدا للاستراتيجيات والبرامج الحكومية والمؤسسات ذات الصلة بهم، بالنظر لحجم وتعقد مشاكلهم، خاصة مع بروز ظاهرة التطرف والعنصرية والإرهاب، وظهور حاجيات و انتظارات جديدة للمغاربة المقيمين بالخارج، وفي مقدمتها الأجيال الصاعدة على كافة المستويات، الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
وتبعا لذلك،فالعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان،ترى أنه لابد من التعامل مع ملف المهاجرين المغاربة برؤية واضحة وبتدبير منسجم.
وفي ذات السياق، تذكر العصبة بمواقفها ومطالبها بضرورة إعادة النظر واعتماد مقاربة شمولية في إصلاح مجلس الجالية المغربية بالخارج، باتباع أسلوب ديمقراطي في انتخاب أعضائه، واعتماد الشفافية، والمساواة في ضمان تمثيلية كل بلدان الإقامة، والكفاءات المغربية بالخارج، والجمعيات العاملة في مجال حقوق المهاجرين المغاربة وأفراد أسرهم، بالإضافة إلى الإشراك الفعلي للمجلسكمؤسسة دستورية مستقلة في رسم السياسات العمومية ذات الصلة بهذه الفئة من المواطنين.
يأتي ذلك في إطار تفعيل أحكام الفصلين 163و171 من دستور فاتح يوليوز2011، من أجل تأمين الحفاظ على علاقات متينة لأفراد الجالية المغربية مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، والمساهمة في التنمية البشرية المستدامة لوطنهم المغرب وتقدمه.
وإذا كانت الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز2011قد كرستحقالجالية المغربية بالخارج في الترشح والانتخاب وفي التمثيلية السياسية في المؤسسات المنتخبة، فإنه لم يتم الحسم فيه بشكل نهائي وواضح بالرغم من العديد من الوعود التي قدمت في هذا الإطار، وذلك من خلال تنصيص الفصل 17منها على أن” يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية ،المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي. كمايحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة.”
كما أن جلالة الملك محمد السادس كان قد أعلن في خطابه بمناسبة الذكرى 30 للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2006، والذكرى 16 لعيد العرش في 30 يوليوز 2015 عن أربع قرارات مهمة وهي :
أولا: تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم عن جدارة واستحقاق في مجلس النواب بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية.
ثانيا: وجوب إحداث دوائر تشريعية بالخارج ليتسنى للمواطنين من اختيار نوابهم بالغرفة الأولى للبرلمان.
ثالثا: تمكين الأجيال الجديدة من حق التصويت والترشح في الانتخابات على غرار آبائهم تجسيدا لمبدأ المساواة في المواطنة.
رابعا: إحداث مجلس أعلى للجالية بالخارج برئاسة جلالة الملك.
وانطلاقا من نضال منظمتنا للدفاع عن حقوق المهاجرين المغاربة وأفراد أسرهم، فإن مناقشة مشروع القانون رقم 41.17 المتعلق بإعادة تنظيم مجلس الجالية المغربية بالخارج، بصيغته الجديدة،يشكل فرصة لطرح قضاياهم من جديد، ولمناقشة مشاكل وحقوق هذه الفئة من المواطنين، برؤية وطنية ومقاربات حقوقية وديمقراطية.
والجدير بالذكر، أن الحكومة سبق لها أن وزعت مشروعا لهذا القانون تحت رقم15.83 بتاريخ 28 يونيو2016، هو تقريبانسخة طبق الأصل للمشروع الحالي.
أولا– ملاحظات بخصوص بناء وهيكلة مشروع القانون رقم 41.17
يتكون مشروع القانون رقم 41.17 من 30 مادة موزعة على 7أبواب، على الشكل التالي:
الباب الأول: يتضمن أحكاما عامة بمادتين (1)و(2) تحدد هدف ونطاق تطبيق مشروع هذا القانون بإعادة تنظيم مجلس الجالية المغربية بالخارج وطبيعته وقواعد سيره
أما الباب الثاني فيحدد صلاحيات المجلس، كهيئة استشارية، في أربعة مواد ( المواد من 3 إلى 6) مع مراعاة الاختصاصات الموكولة إلى السلطات الحكومية والهيئات والمؤسسات العمومية الأخرى بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل
فيما يتناول الباب الثالث الذي يتكون من 3 مواد (من 7 إلى9) تأليف المجلس وتركيبته، والهيئات والمؤسسات المخولة باختيار أعضائه ضمن شروط ومعايير محددة، وتحديد مدة الانتداب في 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، بالإضافة إلى تحديد حالات التنافي وسقوط العضوية، فيما سيتم تحديد مقادير تعويضات الأعضاء وشروط منحها وكيفية صرفها بموجب مرسوم.
بينما خصص الباب الرابع (المواد من 10 إلى 17 )لأجهزة المجلس، الذي يتكون بموجب مشروع هذا القانون من الرئيس، والجمعية العامة، ومكتب المجلس، ومجموعات العمل المتخصصة، وممثليات المجلس بالخارج.
في حين أن كلا من الباب الخامس، والباب السادس، والباب السابع، فقد تناول على التوالي كيفيات سير المجلس(المادتين18 و19)، وتنظيمه إداريا وماليا(المواد من 20 إلى 27)، والأحكام المختلفة والانتقالية ذات الصلة(المواد من 28 إلى 30).
ثانيا– ملاحظات بخصوص تأليف المجلس وأجهزته
من أجل تطوير عمل مجلس الجالية المغربية بالخارج، فقد تم تعزيز الإطار التنظيمي للمجلس بإضافة عضوية السلطة الحكومية المكلفة بحقوق الإنسان إلى المجلس ليرتفع العدد إضافة إلى الرئيس من 24 عضوا خلال المشروع الأول إلى 25 عضوا ضمن المشروع الحالي.
ومقارنة مع ما كان منصوصا عليه في ظهير 1.07.208 ل21 ديسمبر2007، فقد تم الرفع من مستوى عضوية السلطات الحكومية التي كانت تتمتع بصفة ملاحظ في المجلس، في حين تم تقليص عددها إلى خمس، لتشمل السلطات الحكومية المكلفة بحقوق الإنسان والخارجية والداخلية والعدل والجالية المغربية المقيمة بالخارج، وتم التخلي عن عضوية التربية والتكوين والبحث العلمي والشباب والرياضة والشغل والتنمية الاجتماعية والأوقاف والشؤون الإسلامية، وعدم إدراج مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وباقي هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها.
وهذا ما يتطلب أيضا تمثيلية جل القطاعات الحكومية، التي تسهر على تنزيل برامج الاستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج.
وفي ذات السياق، نرى بأن حصر عضوية المجلس في العدد (25) لا يؤشر على الرغبة الأكيدة في ضمان تمثيلية واسعة ومتوازنة لأفراد الجالية المغربية بالخارج، كما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية التي تحث السلطات العمومية على أن تضمن لهم أوسع مشاركة ممكنة في المؤسسات الاستشارية وهيئات الحكامة الجيدة (الفصل18).
ولذلكنقترح أن يرتفع عدد أعضاء المجلس إلى 100 من بينهم الرئيس، مع مراعاة التنوع الجغرافي لمناطق إقامة المغاربة المقيمين بالخارج ومقاربة النوع والكفاءة العالية.
ومن جهة أخرى، فلقد حدد مشروع القانون مدة الانتداب في 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة لجميع الأعضاء، على خلاف ما كان منصوصا عليه في ظهير 1.07.208، حيث كان الرئيس يعين لولاية تمتد لست سنوات قابلة للتجديد، في حين يعين الأمين العام لمدة أربع سنوات، كما حددت الولاية الأولى للمجلس في أربع سنوات أيضا.
فيما يتعلق برئيس المجلس، فقد أغفل مشروع القانون الجديد حالة شغور منصبه ووجود عائق يحول دون اضطلاع رئيس المجلس بمهامه، في ظل غياب منصب نائب للرئيس و تعيين الأمين العام من خارج أعضاء المجلس.
وفيما يتعلق بمنصب الأمين العام، فإن مشروع القانون الجديد أسند مهمة تسيير المصالح الإدارية والمالية للمجلس، تحت سلطة الرئيس، للأمين العام الذي يعين بظهير شريف لمدة خمس سنوات من خارج أعضاء المجلس باقتراح من رئيس المجلس. وفي هذا الصدد نقترح أن يتم تعيين الأمين العام بقرار للرئيس بعد التداول بشأنه في مكتب المجلس فقط، مادام أن الأمين العام لم يعد عضوا بالمجلس بمقتضى مشروع هذا القانون.
ولقد أحدث مشروع هذا القانون لدى المجلس مجموعات عمل متخصصة تكلف بإنجاز الدراسات والأعمال التي تسند إليها من قبل مكتب المجلس طبقا لمداولات الجمعية العامة، إلا أنه بالرجوع إلى المادة 11 التي تمت الإحالة عليها في المادة 12 المتعلقة بتركيبة مكتب المجلس، فإننا نسجل غموضا والتباسا حول هذه المجموعات وطبيعتها، إذ تمت الإشارة إليها فقط في الفقرة الثالثة من المادة 11 عند التطرق للجان المؤقتة التي تحدثها الجمعية العامة، في حين يتطلب الأمر إضافة جملة ” المنصوص عليها بعده) في إحالة على الفرع الثالث مجموعات العمل المتخصصة (المادة 14)، بخلاف ما كان منصوص عليه في ظهير 1.07.208الذي نص عليها في الفرع الخامس (المادة 20)، حيث كان واضحا في منح صلاحية تشكيل مجموعات العمل وتحديد اختصاصاتها للجمعية العامة .
كما أن مشروع القانون الجديد خول للمجلس صلاحيات إحداث ممثليات له بالخارج بتنسيق مع السلطات العمومية المعنية، تتولى مساعدته على ممارسة صلاحياته وتنفيذ قراراته ورفع مقترحاته في مجال النهوض بأوضاع المغاربة المقيمين بالخارج والدفاع عن مصالحهم. إلا أنه أحال على النظام الداخلي للمجلس لتحديد عددها ودوائر نفوذها واختصاصاتها وعدد أعضائها وقواعد تنظيمها وكيفيات سيرها، وكان بالأحرى أن تكون هذه الممثليات بمثابة فروع جهوية للمجلس هي التي تسهر على اختيار أعضاء الجمعية العامة، وضمانا لاستقلاليتها عن الجهاز التنفيذي يسهر مجلس الجالية على توفير مقر للعمل يوضع رهن إشارة الممثليات.
أما ما يخص سير عمل المجلس، فقد رفع مشروع القانون عدد دورات الجمعية العامة إلى دورتين عاديتين في السنة بالإضافة إلى دورات استثنائية عند الاقتضاء، على عكس ظهير 1.07.208 الذي كان قد حددها في دورة واحدة، وهو ما نراه مناسبا بالنظر لحجم التكاليف المالية التي يتطلبهاعقد دورتين في السنة وبالنظر للاختصاصات المسندة إلى الجمعية العامة بموجب المادة 11 من مشروع هذا القانون.
ثالثا- ملاحظات حول مجلس الجالية المغربية بالخارج كهيئة من هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها
لقد أدرجت الوثيقة الدستورية مجلس الجالية المغربية بالخارج ضمان قائمة هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، مما يتوجب معه أن يكون مشروع هذا القانون صورة عاكسة لهذا الدور الهام وإثراء مجالات تدخله وصلاحياته، إلا أن الاختصاصات الواردة في مشروع هذا القانون لا تعدو أن تكون من قبيل إبداء الرأي وإنجاز الدراسات ورصد وتحليل واقع هجرة المغاربة خارج وطنهم، وتقديم اقتراحات أو توصيات للحكومة أو هيئة عمومية من أجل اتخاذ تدابير تسهم في الحفاظ على الوشائج الإنسانية والثقافية للمواطنين المغاربة في الخارج، وحماية حقوقهم ومصالحهم المشروعة، وتكثيف مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بوطنهم.
في ظل غياب أي تقييم لحصيلة عشر سنوات من عمر المجلس الحالي،وعلى الرغم من الإمكانات المادية الضخمة الموضوعة رهن إشارته، فإن مجلس الجالية لم يتمكن من الاستجابة لتطلعات وانتظارات المغاربة المقيمين بالخارج، وغياب أنشطة واضحة وشفافة للمجلس، باستثناء بعض الفعاليات الثقافية والترفيهية الهامشية، بحيث أننا لانكاد نتعرف على بعض أعضائه إلا بمناسبة احتفالات عيد العرش، إذ لم ينعقد الجمع العام للمجلس منذ سنة 2008.
وطبقا لأحكام الفصل 160 من الدستور، فإن مشروع القانون الجديد يلزم المجلس بإعداد تقرير سنوي عن حصيلة عمله وآفاق عمله، ويكون هذا التقرير موضوع مناقشة أمام البرلمان، وينشر بالجريدة الرسمية.كما ألزمته بإنجاز تقارير خاصة حول القضايا التي تعرض عليه من طرف الملك، أو الحكومة أو البرلمان، أو التي تكون بمبادرة منه، في أجل لا يتعدى شهرين.
إن ضمان تمثيلية حقيقية للمغاربة المقيمين بالخارج داخل المجلس تستلزم تعزيز مكانتهم وإشراكهم فعليا في المخططات والاستراتيجيات والبرامج التي تهمهم من خلال ملتمسات التشريع أو العرائض ترتبط بقضايا ومجالات ذات الصلة بشؤون هذه الفئة من المواطنين.
لقد أضاف مشروع القانون الجديد صلاحيات جديدة للمجلس في المشروع الحالي، ضمن المادة3، ويتعلق الأمر بتعبئة المجلس للكفاءات من الجالية المغربية المقيمة بالخارج وتحفيزها للقيام بالأعمال الرامية إلى المشاركة في أوراش التنمية من خلال سبع تدخلات ومبادرات. غير أن هذه الكفاءات تصطدم بواقع آخر في ظل غياب استراتيجية واضحة لاستقطاب هذه الكفاءات واختلالات برنامج “FINCOM”، وعدم إشراكهم في تشخيص التحديات والإمكانيات المتاحة لحل المشاكل المطروحة أما تحقيق تنمية مستدامة ببلدهم المغرب.