تقارير موازية

بمناسبة عيد العمال العالمي مطالب العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بشأن الحقوق الشغلية

استنادا لمرجعيتها في الدفاع عن حقوق الإنسان، والقائمة أساسا على اعتبار منظومة حقوق الإنسان كلا غير قابل للتجزيء، أو الانتقائية في التعاطي والتنزيل، واعتبارا للمكانة المحورية للحقوق الشغلية عموما في تأسيس مفهوم الكرامة الإنسانية، بدءا من الحق في الشغل، والتغطية الاجتماعية، ومرورا بالحق في التنظيم والحرية النقابية، وصولا إلى الحق في الصحة والسلامة المهنيتين، مع ما يستتبع ذلك من حقوق لضمان مفهوم العمل الكريم والعدالة الاجتماعية عموما.

وفي سياق إحيائه لعيد العمال العالمي المصادف لفاتح ماي 2019، يعلن المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تحيينه لمذكرة مطالبه الأساسية الخاصة بالحقوق الشغلية التي سبق إعدادها لنفس المناسبة من سنة 2016، والتي يقدمها هذه السنة في سياق وطني متسم بارتفاع منسوب الاحتجاجات المرتبطة بالحقوق الشغلية، وبتوقيع اتفاق اجتماعي ثلاثي الأطراف بعد تجميد للحوار الاجتماعي دام لأزيد من سبع سنوات، مما خلف تدهورا في القدرة الشرائية لأغلب المواطنين، خاصة بعد الإصلاح المزعوم لنظام المعاشات المدنية، ورفع الدعم عن مجموعة من المواد الأساسية بذريعة إصلاح صندوق المقاصة.

وفي هذا الصدد يعلن المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، مطالبه التالية:

  • أولوية الإصلاح الدستوري

إن أول ملاحظة يمكن إثارتها فيما يتعلق بضرورة الإصلاح الدستوري، هو الصيغة التراجعية التي جاء بها الفصل 31 من صيغته المراجعة لسنة 2011، والذي ينص بشكل مباشر على الحق في الشغل، الذي جاء في شكل إعلان نوايا والتزام ببذل عناية من خلال صيغة “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من… الحق في الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي”. رغم أن الصيغة السابقة التي كان يتضمنها الدستور المغربي في صيغته المراجعة لسنة 1996 كانت تنص في الفصل الثالث عشر على أن “التربية والشغل حق للمواطنين على السواء”، وهي صيغة تخالف مضمون العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي يعتبر الحق في الشغل أحد الحقوق الأساسية التي يتعين على الدول اتخاذ كافة التدابير لتأمين الممارسة الكاملة له، وهو ما تؤكده التعاليق العامة للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خاصة التعليق العام رقم 3، والتعليق العام رقم 18.

كما ينص الفصل 111 من الدستور على أنه “يمنع على القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية” وهو ما يتعارض والحق في الحرية النقابية الذي يعد أحد الحقوق الأساسية في العمل، كما يشكل هذا المقتضى عائقا دستوريا أمام مصادقة المغرب على اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 87 المتعلقة بالحرية بالنقابية.

وهي فقط بعض الملاحظات ذات الارتباط المباشر ببعض الحقوق الشغلية، التي تناولها الدستور المغربي بشكل يخالف المقتضيات والمواثيق الدولية ذات العلاقة بالحق في الولوج إلى الشغل، والحق في التنظيم والانتماء النقابي، والتي تشكل إلى حدود اليوم عائقا أمام تنفيذ أحد الالتزامات الحكومية الواردة في اتفاق 26 أبريل 2011، والمتعلق بالمصادقة على اتفاقية العمل الدولية رقم 87.

  • المصادقة على المواثيق الدولية ذات الصلة بالحقوق الشغلية

وفي هذا الصدد يذكر المكتب المركزي للعصبة أن الدولة المغربية لم تعمل إلى حدود اليوم على المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأنها ومن أصل 92 اتفاقية داخلة حيز التنفيذ، صادرة عن منظمة العمل الدولية، لم تصادق إلا على 49، كان آخرها في 04 يونيو 2013، وأنها لم تعمل على بدء إجراءات المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية رغم التزامها سابقا بذلك من خلال محضر 26 أبريل 2011، ورغم كونها تعد من الاتفاقيات الأساسية.

وتبعا لذلك يدعو المكتب المركزي للعصبة، الدولة المغربية إلى تعجيل مصادقتها بالخصوص على:

  • البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  • اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 87 المتعلقة بالحرية النقابية.
  • اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 95 المتعلقة بحماية الأجر.
  • اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 102 المتعلقة بالمعايير الدنيا للحماية الاجتماعية.
  • اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 141 المتعلقة بتنظيمات الشغل في العالم القروي.
  • اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 159 المتعلقة بالإدماج المهني وتشغيل الأشخاص في وضعية إعاقة.
  • اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 189 المتعلقة بالعمال المنزليين.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، أن الدولة المغربية، وإن كانت قد باشرت مسطرة التصديق على بعض اتفاقيات العمل الدولية، من خلال الموافقة عليها بقانون ونشره في الجريدة الرسمية، إلا أنها لم تفعل بعد مسطرة المصادقة بإيداع وثائق التصديق لدى منظمة العمل الدولية ونشر الاتفاقيات بالجريدة الرسمية من أجل الاعتراف رسميا بسموها على التشريع الوطني طبقا لمضمون ديباجة دستور سنة 2011.

  • ملاءمة التشريع الوطني للمواثيق الدولية

ومنها مجموعة من القوانين التي تتضمن مقتضيات تشريعية مخالفة لما تقره منظمة العمل الدولية من حقوق أساسية في الشغل من قبيل ما يتضمنه الفصلين 288 و 329 من مجموعة القانون الجنائي، حيث يجرم الأول عرقلة حرية العمل وهو تجريم يخالف ما نصت عليه اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 87 المتعلقة بالحرية النقابية، فيما يجرم الثاني “ظاهرة التشرد” بشكل يخالف مقتضيات اتفاقيتي منظمة العمل الدولية عدد 29 و105 المتعلقتين بإلغاء العمل الجبري.

بالإضافة إلى مجموعة من الأنظمة الأساسية لبعض فئات الموظفين التي تتضمن مقتضيات تمس بشكل مباشر حق هذه الفئات في التنظيم وفي الانتماء النقابي، ومن بين هذه الأنظمة الأساسية:

كما يسجل المكتب المركزي للعصبة في هذا السياق امتناع الحكومة المغربية عن التفاعل مع جميع مقترحات القوانين التي تتقدم بها الفرق البرلمانية، والرامية إلى تعديل مواد مدونة الشغل حتى تتلاءم مع التزامات المغرب الدولية في هذا المجال.

  • إقرار المساواة الفعلية وعدم التمييز في الأجور بين فئات الطبقة العاملة

فعلى الرغم من التزام الحكومة المغربية من خلال اتفاق 26 أبريل 2011 مع النقابات، بتوحيد الحد الأدنى للأجور في الفلاحة والصناعة والتجارة. إلا أنه وعلى مستوى الممارسة يلاحظ تعميق للفوارق الأجرية بين عموم الفئات الاجتماعية من خلال تحديد حد أدنى للأجر في القطاع الفلاحي، وحد أدنى آخر للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات، وحد أدنى للأجر مختلف في القطاع العام. مع اختلاف طريق احتساب هذا الحد بين القطاعات.

وينبه المكتب المركزي للعصبة في هذا الإطار إلى تعميق الهوة والفوارق بين الحد الأدنى للأجور في مختلف القطاعات من خلال عملية الزيادة النسبية في الحد الأدنى للأجور والتي كان آخرها من خلال المرسوم رقم 2.13.343 المؤرخ في 24 يونيو 2014 والقاضي بتحديد الحد الأدنى للأجر عبر إقرار زيادة قدرها %10 في القطاعين الفلاحي والصناعي والتجاري. بالإضافة إلى عدم تحديد حد أعلى للأجور في القطاع العام والمؤسسات العمومية. ناهيك عما تضمنه الاتفاق الاجتماعي ل 25 أبريل 2019، من زيادة جديدة تتضمن مقتضيات تمييزية بين عموم فئات المأجورين، حيث تم الالتزام بزيادة مباشرة في أجور موظفي القطاع العام والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، ابتداءا من فاتح ماي 2019، فيما التزم بتفعيل الزيادة في الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص ابتداءا من فاتح يوليوز 2019، بالإضافة إلى التراجع عن الالتزام السابق القاضي بتوحيد الحد الأدنى للأجر بين القطاعين الفلاحي والصناعي.

وتأسيسا على ذلك، يجدد المكتب المركزي للعصبة مطالبته، بعدالة أجرية بين مختلف فئات المجتمع، دون اعتبار تمييز، وتوحيد الحد الأدنى للأجر بين مختلف القطاعات.

  • التطبيق الفعلي للتشريع الاجتماعي الحالي على علاته

فعلى الرغم من كل الانتقادات الممكن توجيهها إلى التشريع الاجتماعي الحالي بمختلف نصوصه سواء ما يتعلق بمدونة الشغل ونصوصها التطبيقية، أو القانون المتعلق بالضمان الاجتماعي، أو مدونة التغطية الصحية، أو القانون المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، أوغيرها. فالسمة الغالبة لها عموما هي محدودية التطبيق الفعلي، خاصة في الشق المتعلق بزجر المخالفات.

فبالإضافة إلى تأخر صدور مجموعة من النصوص التطبيقية لمدونة الشغل من قبيل المرسوم المتعلق بكيفيات تطبيق المادة 16 من المدونة، وتحديد القطاعات والحالات الاستثنائية التي يمكن اللجوء فيها إلى عقود الشغل محددة المدة، يسجل المكتب المركزي للعصبة، ضعف تطبيق النصوص القانونية السارية خاصة ما يتعلق بالصحة والسلامة المهنيتين، بسبب قلة الأطباء والمهندسين المختصين في مجال الشغل، والأحكام المتعلقة بمقاولات التشغيل المؤقت، ومنع تشغيل الأطفال، وحماية الأمومة، وغير ذلك من المقتضيات التي يحول غياب الحماية القانونية لجهاز تفتيش الشغل دون تطبيقها ودون مراقبتها فعليا. وفي مقابل ذلك، تتوجه الحكومة الحالية إلى إضعاف الدور الرقابي لجهاز تفتيش الشغل من خلال تقسيم العدد المحدود من المفتشين إلى مراقبين ومصالحين، ضدا على الالتزامات التي تفرضها معايير العمل الدولية خاصة اتفاقتي العمل الدوليتين رقم 81 و 129، والتي تعتبر أن الدور الأساسي لجهاز تفتيش الشغل يتجلى في مراقبة تطبيق التشريع الاجتماعي.

وفي هذا السياق يدعو المكتب المركزي للعصبة الدولة المغربية إلى تعزيز جهاز تفتيش الشغل بالموارد البشرية الكافية، والتطبيق السليم لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 81 المتعلقة بتفتيش العمل، وتعزيز التنسيق بين مفتشية الشغل والنيابة العامة من اجل زجر المخالفين للتشريع الاجتماعي.

  • احترام الحقوق النقابية

إن السمة الغالبة لتعاطي المشغلين بما فيهم الدولة، مع الفاعل النقابي، تقوم بالأساس على فكرة الصراع، وهو ما ينعكس سلبا على احترام حق الانتماء النقابي، بحيث غالبا ما يكون مصير النقابيين في القطاع الخاص هو الطرد بمجرد تبليغ المشغل بتأسيس المكتب النقابي، كما تتعرض مجموعة من المكاتب النقابية للتضييق والامتناع أو التأخر في تسليم الوصولات النهائية من الطرف السلطات المحلية.

وهو أمر ينعكس بالضرورة على التمثيلية النقابية، وعملية التفاوض الجماعي، حيث يبرز ذلك على الخصوص من خلال استقراء نتائج انتخاب ممثلي الأجراء في القطاع الخاص، وأيضا باستقراء عدد اتفاقيات الشغل الجماعية المتوصل إليها، إضافة إلى التضييق الذي أضحت تعانيه الأطر النقابية في القطاع العام، من خلال التراجع عن تنفيذ مجموعة من المناشير والدوريات السابقة التي تعترف للنقابات المهنية بالقطاع العام بمجموعة من الامتيازات من قبيل الرخص الاستثنائية، والمقرات وغير ذلك.

  • وضع حد للهشاشة في العمل

وذلك من خلال اعتبار الكرامة الإنسانية عنصرا موجها للسياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ويستتبع ذلك بالضرورة وضع حد لمجموعة من الصيغ الجديدة للتشغيل من قبيل اللجوء إلى المناولة، والتشغيل المؤقت، وتشديد المراقبة على وكالات الوساطة في التشغيل، والتنصيص في دفاتر التحملات الخاصة بمناولة الخدمات في الإدارات العمومية على الحق في الأسبقية في التشغيل وضمان الأقدمية بالنسبة للأجراء، وزجر المقاولين الذين يفتعلون التفالس أو اللجوء إلى الإغلاق دون احترام المساطر القانونية، أو إحداث شركات وهمية بهدف تسهيل التسريح الجماعي للأجراء. ومنع اللجوء إلى التشغيل المؤقت او مناولة الخدمة في مناصب الشغل القارة.

  • تحسين شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل

إن ما يشهده المغرب من حوادث شغل وأمراض مهنية، خاصة تلك غير المصرح بها، يطرح أكثر من علامة استفهام حول ظروف صحة وسلامة الأجراء خاصة في قطاعات البناء والأشغال العمومية، في ظل غياب شبه تام لزيارات المراقبة، والمرتبط بقلة الموارد البشرية في فئات الأطباء والمهندسين المكلفين بتفتيش الشغل، وتمركز العدد القليل الموجود منهم في محور الرباط-الدار البيضاء. وغياب الوسائل التقنية الكفيلة بإجراء عمليات مراقبة فعالة من طرف مفتشي الشغل.

تبعا لذلك يطالب المكتب المركزي للعصبة بضرورة اهتمام الجهات الوصية بهذا المجال، مع تعزيز التنسيق بين مختلف القطاعات المعنية، لزجر المخالفين.

كما يجدد دعوته للحكومة المغربية إلى التسريع بإخراج القانون الإطار المتعلق بالصحة والسلامة في العمل في القطاعين العام والخاص، والعمل على بلورة سياسة وطنية في هذا المجال تراعي توجهات المعايير الدولية، والكشف عن أرقام حوادث الشغل في القطاعين العام والخاص.

  • تعميم التغطية الاجتماعية وصيانة المكتسبات

إن الملاحظ في ما يتعلق بالتغطية الاجتماعية هو تعدد الأنظمة بين القطاع العام والخاص والشبه العمومي، مع تسجيل حرمان فئات واسعة من الأجراء من الاستفادة من هذه الأنظمة خصوصا الأجراء المحسوبين على قطاع الإنعاش الوطني الذين لا يسري عليهم أي قانون، بالإضافة إلى بعض فئات أجراء القطاع الخاص الذين يتم التحايل بشأن وضعياتهم في ظل صعوبة المراقبة، وعدم كفاية الإجراءات الزجرية.

وعلى الرغم من الشعارات الحكومية الرامية في شكلها، إلى إصلاح أنظمة التقاعد، فإن مضمونها المقتصر فقط على ترميم بعض الاختلالات التي عرفها الصندوق المغربي للتقاعد الموجه لشغيلة القطاع العام، لم يصحح أهم مظاهر هذه الاختلالات والمتجلية أساسا في توقف الدولة لفترة طويلة عن أداء اشتراكاتها بصفتها مشغلا، وغياب التوازن بين حجم اشتراكات المنخرطين من الموظفين، والمشغل المتمثل في الدولة، وهو ما كشفته تقارير المجلس الأعلى للحسابات حول الموضوع، والتي اعتبرت أن سوء التدبير الذي عرفته هذه الأنظمة يشكل السبب الأساسي في الاختلالات التي تعرفها.

  • حماية حقوق الأجراء المهاجرين

وهو ما يستوجب بالضرورة جعل حد لوضعية الشرود القانوني التي تكرسها مدونة الشغل من خلال مادتها 517 التي تعتبر تاريخ تأشيرة وزارة الشغل على عقد شغل الأجنبي بالمغرب، هو نفس تاريخ بداية العقد، وهو أمر ينعكس سلبا على تكييف هذا العقد من طرف القضاء، الذي ذهب في الكثير من قراراته إلى اعتبار عقد شغل الأجنبي بالمغرب عقد شغل محدد المدة، مما يخلق نوعا من الهشاشة بالنسبة لبعض فئات المهاجرين بالمغرب، ويعرضهم لأسوء أنواع المتاجرة بالبشر.

  • أزمة الحوار الاجتماعي

على الرغم من توصل الحكومة والأطراف الممثلة لكل من المشغلين والأجراء، إلى توقيع اتفاق اجتماعي سمي بأنه ثلاثي الأطراف، بتاريخ 25 أبريل 2019، بعد مخاض عسير لمسار التفاوض، استمر لسنوات، إلا أن مضمون الاتفاق وباستثناء ما يتعلق بالزيادة في الأجور، التي اتسمت بالتمييز بين فئات المأجورين، فإنه بقي في حدود إعلان النوايا والاتفاق بشأن التشاور، على الرغم من كون التشاور لا يشكل إلا أحد مستويات الحوار الأولية التي لا ترقى بأي شكل من الأشكال إلى مفهوم المفاوضة الجماعية طبقا لمعايير العمل الدولية خاصة اتفاقية العمل الدولية رقم 154 المتعلقة بالمفاوضة الجماعية.

وإذا كان الحوار الاجتماعي بمفهومه التقليدي هو ذلك الحوار الثلاثي الذي يجري بين الحكومة والنقابات وممثلي المشغلين، فإن الشروط الأساسية لإنجاحه والمتمثلة في التمثيل الديمقراطي، قد عرفت بالمغرب مدا وجزرا يطرح أكثر من علامة استفهام حول حقيقة التمثيل الديمقراطي للهيئات الموقعة على الاتفاق للفئات المعنية، خاصة أمام محدودية تمثيل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وغياب معايير محددة بشأن هذا التمثيل، واتساع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية التي تقودها التنسيقيات المهنية في غياب المنظمات النقابية، وارتفاع منسوب السخط الشعبي تجاه الحكومة.

إن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وإيمانا منها بفضيلة الحوار في بلورة سياسات اجتماعية ناجحة، وانسجما مع مقتضيات الدستور المغربي خاصة في فصله الثالث عشر الذي ينص على إحداث آليات للتشاور وإشراك مختلف الفاعلين  في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتقييمها، وأيضا باعتبار الاختيار الديمقراطي بشقيه التمثيلي والتشاركي، أحد الثوابت الجامعة للأمة، وتماشيا مع توجهات منظمة العمل الدولية القاضية بتوسيع مجال الحوار الاجتماعي ليشمل فئات أخرى، في إطار الحوار المجتمعي او الحوار الاجتماعي أكثر من ثلاثي، فإنها تطالب الدولة المغربية بإقرار قانون يؤسس لمجلس وطني للحوار الاجتماعي يضمن في تشكيلته تمثيلية للمجتمع المدني والحركة الحقوقية على الخصوص إلى جانب كل من المنظمات النقابية للأجراء والمنظمات المهنية للمشغلين والحكومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى