المؤتمر الثامن : وثيقة اللجنة الموضوعاتية المعنية بحقوق الطفل
المنسق: الأخ ادريس شنتوف
تمهيد
لا جدال في أن الاهتمام بالطفولة صار يمثل أحد الرهانات الأساسية التي تضعه المجتمعات المتقدمة في مستهل انشغالاتها التنموية، وذلك بفعل اقتناعها بأن الاستثمار في هذا المجال لابد وأن يفضي إلى نتائج اجتماعية واقتصادية هامة جدا، ويوفر على المجتمع أموالا ومجهودات كبيرة غالبا ما يضطر إلى إنفاقها مستقبلا في محاربة الجهل والأمية والفقر والانحراف… ولعل هذا ما يبرهن على أن عهد النظر إلى الاهتمام بالطفولة بالرعاية والتربية والتعليم كضرب من الترف والضياع للوقت والجهد والمال قد ولى، بحيث أدركت مختلف بلدان العالم أهمية الاستثمار المناسب في الطفولةكعامل أساسي للحد من الفقر والتفاوتات الاجتماعية، ولتحقيق الرخاء والنمو الاقتصادي، فكان اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الطفل ليس فقط من خلال حماية حقوق الإنسان بشكل عام، ولكن من خلال إجراءات خاصة تضمن توفير الحماية القانونية للطفل؛ بدءا بإصدار إعلان جنيف لحقوق الطفل سنة 1924، وإعلان حقوق الطفل سنة 1959، ثم إصدار اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989 والتي شكلت تغييرا حاسما في تاريخ الاهتمام بهذه الفئة، حيث أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسانية ملزمة ولا يكمن التغاضي عنها.
وتعداتفاقية حقوق الطفل أول وثيقة دولية تعرّف الطفل بشكل واضح وصريح في مثن مادتها الأولىالتي تنص على أن الطفل هو:” كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه”.
وبالتالي، يعتبرطفلا محميا بموجب هذه الاتفاقية، كل إنسان:
- لم يتجاوز 18سنة، ويعتبر هذا الشرط معيارا دوليا؛
- لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه” ويعتبر هذا الشرط معيارا وطنيا؛
وبمفهوم المخالفة، كل إنسان تجاوز سن الثامنة عشر يعتبر راشدا وتسقط عنه عبارة طفل.كما لا يعتبر الإنسان طفلا إذا بلغ أو تجاوز سن الرشد وفقا للقانون المطبق عليه في بلده.
أهم المواثيق الدولية المؤطرة لحقوق الطفل
دفعت الظروف العصيبة التي يعيشها الأطفال في مختلف أرجاء العالم الأمم المتحدة إلى ضرورة إيجاد تشريع قانوني دولي ملزم لكل دول العالم لحمايتهم، فأصدرت هذه المنظمة الدولة اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل بإجماع جمعيتها العامة في 20/11/1989.
وتعتبر اتفاقية حقوق الطفل الصك القانوني الدولي الأول الذي يلزم الدول الأطراف من الناحية القانونية بدمج السلسلة الكاملة لحقوق الإنسان، أي الحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
وقد رسخت هذه الاتفاقية مبادئ أخلاقية ومعايير دولية جديدة للتعامل مع الأطفال، وتعد من أكثر الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تطورا وشمولا، إذ طورت مفهوم الاهتمام بالطفل وانتقلت به من مرحلة الرعاية التي سادت قبل الستينات ومرحلة تنمية الموارد البشرية التي سادت في الثمانينات إلى مرحلة مفهوم الحق القائم بذاته لكل الأطفال دون استثناء أو تمييز. فالاتفاقية ارتقت بحقوق الطفل من دائرة الاختيار إلى دائرة الإلزام، وتكفل نظاما قانونيا للحماية اللازمة لحقوق الطفل بشكل يرتب مجموعة من الالتزامات القانونية على الدول التي صادقت عليها، وأضحت تشريعاتها الداخلية المتعلقة بعالم الطفولة تواكب وتساير ما نصت عليه الاتفاقية.
وتتضمن اتفاقية حقوق الطفل 54 مادة، وبروتوكلين اختياريين. وتوضح بطريقة لا لبس فيها حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال دون تمييز. وتنبني على أربعة مبادئ أساسية تنتظم حولها مختلف موادها، وهي:
- حق الطفل في المساواة:
تبنت هذا المبدأ العديد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مثل ما نصت عليه المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948 والمبدأ الأول من إعلان حقوق الطفل الصادر سنة 1959، وكذا المادة الثانية من العهدين الدوليين الصادرين سنة 1966 للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومضمون هذا المبدأ أن كل البشر متساوون في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم بسبب اللون أو الدين أو العرق أو اللغة.
ويعتبر الحق في المساواة وعدم التمييز من المبادئ الأساسية التي جاءت بها الاتفاقية، حيث نصت في المادة الثانية على مايلي: “ينبغي على الدول الأطراف أن تضمن لجميع الأطفال الذين يخضعون لولايتها، التمتع بحقوقهم دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو جنسيتهم أو لغتهم أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم أو عجزهم، أو مولدهم أو أي وضع آخر”.
ويستنتج من المادة الثانية السالفة الذكر أنها جاءت للقضاء على جميع أنواع التمييز دون استثناء، وأكدت على مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع أطفال العالم، وسوت بين الأطفال الذكور والإناث، ومنحت نفس الحقوق للأطفال من أصل أجنبي والأقليات.
- تحقيق مصلحة الطفل الفضلى
يعد هذا المبدأ من أبرز التطورات التي جاءت بها الاتفاقية، وهو منح الطفل مصلحة عليا، والذي بمقتضاه لم تعد مصالح الدولة أو الوالدين تشكل وحدها كل العوامل المؤثرة التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ أية قرار تتعلق بالأطفال، فهناك مصلحة الطفل ذاته والتي تكون لها في بعض الحالات الاعتبار الحاسم في اتخاذ القرار، وبهذا نصت المادة الثالثة من الاتفاقية على أنه: ” في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى”.
- حق الطفل في البقاء والنماء
يعتبر هذا الحق من المبادئ الأساسية التي أكدت عليها اتفاقية حقوق الطفل في المادة السادسة، حيث أوجبت على الدول الأطراف أن تضمن إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه، وتجريم كافة مظاهر وأفعال التعدي المباشر وغير المباشر على هذا الحق في تشريعات الدول الأطراف، والسهر على ترقية هذا الحق والدفع به قدما لحماية الطفل من كل المظاهر السلبية التي تهدد حياته ونموه.
- احترام رأي الطفل
حسب هذا المبدأ، يجب أن يتمتع الطفل بحرية تكوين آرائه والتعبير عنها بحرية وبأية وسيلة يختارها ضمن حدود النظام العام والآداب العامة وفقا لسنه ودرجة نضجه. ولهذا الغرض تتاح للطفل فرصة للاستماع إليه في إجراءات قضائية وإدارية تمسه، إما مباشرة أو من خلال ممثل أو هيئة ملائمة بطريقة تتفق مع القواعد الإجرائية للقانون الوطني، ومن هذا المنطلق ينبغي للحكومات أن تجد طرقا أكثر جدية لأخذ أراء الأطفال بعين الاعتبار.
الإطار الدستوري والتشريعي الوطني المؤطر لحقوق الطفل
صادق المغرب سنة 1993 على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، متعهدا بتنفيدها وبالحرص على احترام مقتضياتها، على اعتبار أن الدولة المغربية “مسؤولة عن أطفالها”. وعبرت الدولة المغربية عن تحفظها على الفقرة الأولى من المادة 14 التي تنص على أن “تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين”.
وفي 19 أكتوبر 2006، أخبرت الحكومة المغربية الأمين العام للأمم المتحدة بقرار رفع تحفظها على المادة 14، وصاغت إعلانا قدمت فيه التفسير الآتي لهذه المادة:” تفسر حكومة المملكة المغربية مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 14 من الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل في ضوء دستور 7أكتوبر1997 والقواعد الأخرى الموافقة لمنظومة المغرب الداخلية، وخاصة:
- المادة 6 من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.
- المادة 54 من القانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة التي تنص في فقرتها 6 على أن ” للأطفال على أبويهم الحقوق الآتية […] التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم”.
وحري بالذكر أن الاتفاقية تتعامل مع الطفل باعتباره موضوع حماية وفي نفس الوقت له حقوق. وقد استكملت -بثلاثة بروتوكولات اختيارية:
- البروتوكول الاختياري المتعلق بالاتجار في الأطفال، وبغاء الأطفال واستخدامهم في المواد والعروض الإباحية، وقد صادق عليه المغرب سنة 2001؛
- البروتوكول الاختياري الخاص بعدم مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة، وقد صادق عليه المغرب سنة 2002؛
- البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل من أجل تقديم البلاغات الذي وقع عليه المغرب سنة 2012؛
كما صادقت الدولة المغربية أيضا على الاتفاقية رقم 182 الصادرة عن مكتب العمل الدولي بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها.
ولا يخفى أن دستور 2011 أكد على سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب على النصوص القانونية والتشريعات الوطنية،إذ ينص في الفصل 32 منه على أن الدولة تسعى إلى “توفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية…” ، وينص في الفصل 34 على أن ” تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيلسياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض تسهر خصوصا على معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهاتوللأطفال والأشخاص المسنين والوقاية منها”.
وفيسياقالمحاولاتالراميةلدعمحقوقالطفلمنخلالالمدخلالقانوني؛حرصالمشرعالمغربــيعلىتكريسالمساواةبينالمرأةوالرجلفيمنحالجنسيةللطفلانسجامامعالمواثيقالدولية، ولتمتينالرابطةالأسريةبحمايةحقوقالطفلمنالحملإلىســـنالرشد،سواءعلىمستوىالنسبأوالحضانةأوالتربية.وانسجامامعذلكأقرتمدونةالأسرةبعدمالتمييزبينالأطفالالشرعيينومجهوليالنسـبأوالوالدين ومنحتهمنـــفسالحقوقبالشكلالذيلايسمحبنفيالنسبعنهمرغمحدوثاتفاقفيالموضوعبينالوالدين.وعـــلاوةعلىذلك؛ضمنالمشرعمدونة الأسرة مجموعةمنالحقوق، منقبيلالحقفيالصحة،والحقفيالجنسية،والحـــقفيالتعليم،والحقفيالتربية…وبذلكأسهمتفيتعزيزحقوقالطفلوحمايتهضدمختلفالمخاطروالإكراهاتالاجتماعيـــة،وذلككسبيللتحقيقالتوازنبينمختلفمكوناتالأسرة.
واقعالطفولةفيالمغرب
تعتبر منظمة اليونسيف أن “المعايير الاجتماعية غير المواتية تمثل عائقا كبيرا أمام إعمال حقوق الطفل في المغرب”، وعلى السياسات العمومية المتعلقة بالحماية أن تجعل من محاربة هذه المعايير إحدى الأولويات. ومن بين هذه المعايير:
- استمرار الاختلاف بين التعريف القانوني (18 سنة) والتعريف الضمني للطفل، بحيث يعتبر الإنسان طفلا قبل ظهور علامات البلوغ، وبعد بروز هذه العلامات يعتبر المراهق مسؤولا عن أفعاله، بل وأحيانا قد يحاكم عليها، وبالتالي عليه أن يتصرف كراشد.
- استمرار سيادة نموذج تربوي يقوم على أساس احترام سلطة الكبار والصمت وانعدام الحوار، وهو نموذج لا يهتم بتطوير القدرات الذاتية على إبداء الرأي والتساؤل وبناء المواقف الشخصية.
- إعطاء الأولوية لمصالح الأسرة على حساب مصلحة الطفل، خاصة في حالات الاعتداءات الجنسية، بحيث ينظر للفتاة الحامل مصدر عار، ونادرا ما تعتبر ضحية. ولا يتم عموما التبليغ عن الاعتداءات الجنسية التي غالبا ما يكون وراءها أحد الأقارب خوفا من الفضيحة او من تبعات ذلك التبليغ على الأسرة.
- انتشار الموانع والطابوهات التي تحيط بالمسائل الجنسية، ويؤدي ذلك إلى التستر على الاعتداءات الجنسية وعدم التبليغ عنها، وإلى إخضاع مسألة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج لأحكام القانون الجنائي، والحال أن تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والصورة السلبية المكرسة عن الأمهات العازبات وعن أبنائهن يشكلان انتهاكا لمبدأ عدم التمييز والمصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. ومن جانب آخر، لايتم التبليغ عن حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال بسبب النظرة السائدة في المجتمع المغربي عن المثلية ومختلف الطابوهات التي تحيط بها.
- تفشي الوصم والصور القدحية والأحكام الجاهزة عن العديد من فئات الأطفال في المجتمع المغربي، مع ما يصاحب ذلك من تهميش وإقصاء، فينظر إلى الأطفال في وضعية الشارع كمنحرفين و”شماكرية”. ويخاطب الأطفال المتخلى عنهم بـ”أولاد الزنا” و”أبناء العاهرات” و”اللقطاء”… ولا ينظر إلى هؤلاء الأطفال كضحايا انتهكت حقوقهم، وغالبا ما ترفضهم عائلاتهم.
- الأحكام المسبقة والصور النمطية المرتبطة بالنوع، حيث لاتزال الممارسات القائمة على التمييز مترسخة في الواقع، فالعديد من الفتيات مازلن يتلقين تربية تؤهلهن كي يصبحن زوجات صالحات وأمهات مطيعات لأزواجهن. وغالبا ما يفرض عليهن الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة، ليعملن كمساعدات في أعمال البيت ولا يتمتعن بنفس الحرية التي يتمتع بها الذكور، ولا تمنح لهن نفس الفرص للترفيه عن النفس في أوقات الفراغ.
- عدم التبليغ عن العنف ضد الأطفال، غالبا ما يتم تهوين العنف تجاه الأطفال واعتبار ذلك أمرا عاديا، بل مازال ينظر للعنف كإجراء تربوي ضروري لا محيد عنه لتربية الأطفال وتقويم سلوكهم. وهذا التساهل مع أشكال العنف يفسر جزئيا عدم التبليغ عنه. والحال ان التهوين من مخاطر هذه الظاهرة قد تكون له عواقب وخيمة على الطفل الذي قد يستبطن هو بدوره هذه السلوكات العنيفة ليعمل لاحقا على تكريسها والتصرف وفق منطقها وهو راشد.
- الزيجات المبكرة/القسرية، تمثل أحد أشكال العنف الجنسي، ومن العوامل المساعدة على انتشارها استمرار بعض الممارسات الاجتماعية والثقافية التي تشجع على زواج القاصرات، منها انعدام المساواة بين الرجل والمرأة، والفقر والإكراهات الجنسية وغياب التربية الجنسية… وينتج عن الزواج المبكر ظاهرة الحمل المبكر بل والمتعدد والمتوالي أحيانا مما يكون له أسوأ الأثر على صحة الفتاة.
- معيار الأنترنيت، ظهر إلى الوجود قبل بضع سنوات لكنه سرعان ما تحول إلى مرجع بالنسبة للأطفال في مجال التربية الجنسية والسياسية والدينية وغيرها من المجالات. وقد تعززت مكانته نظرا للأهمية المتزايدة لشبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تمارس تأثيرها دون أدنى مراقبة، مما يجعل الأطفال عرضة لعدة مخاطر كالتحرش الجنسي والتطبيع مع العنف وممارسة أفعال تعرض صاحبها للخطر والانعزال عن الناس…
ونسجل في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن أوضاعالطفولةبالمغربلاتزالتعرفتدهوراعلىأكثرمنصعيدباعترافالتقاريرالرسمية الصادرةعنالقطاعاتالحكوميةالمختصةنفسها،الأمر الذييعنيأنالدولةلمتستطعالوفاءبالتزاماتهاالقاضيةبإعمالحقوقالطفل، فعدد كبير من الأطفال مازالوا عرضة لمظاهر عنف متعددة خاصة الفئات الأكثر هشاشة منهم من قبيل الأطفال المتخلى عنهم والأطفال في وضعية الشارع والأطفال في وضعية إعاقة والأحداث والمهاجرون غير المرافقين والأطفال أبناء المهاجرين في وضعية غير قانونية والأطفال الموجودون في وضعية تماس مع القانون والأطفال اليتامى. كما أن بعض المعايير والممارسات الضارة بالأطفال مازالت منتشرة في مجتمعنا، والسياسات العمومية المتعلقة بالطفولة تفتقر إلى التنسيق ولا تحظى بالتتبع والتقييم الضروريين… وبالتالي فإن التحقيق الفعلي لحقوق الطفل، وعلى وجه الخصوص حقه في الحماية، مازال بعيد المنال. حيث يلاحظ ما يلي:
مصلحة الطفل الفضلى
لا يراعى هذا المبدأ بما فيه الكفاية عند اتخاذ قرارات سياسية وتشريعية أو قانونية تهم الطفل، وكمثال على ذلك:
- اعتماد سن 16 سنة في مشروع القانون المتعلق بالعمال المنزليين كحد أدنى، رغم توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والطلب الملح الذي تقدمت به العديد من الجمعيات الحقوقية، وعلى رأسها العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، خلال مرحلة تدارس مشروع القانون حول العمال المنزليين.
- السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للقضاء للترخيص بزواج الفتى أو الفتاة قبل سن الأهلية؛ أي 18 سنة (المادتان 20 و 21 من مدونة الأسرة) دون مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الزيجات دون سن الأهلية ما بين 2007 و 2013؛ بحيث انتقل عدد الطلبات من 38710 سنة 2007 إلى 43508 سنة 2013. وارتفعت نسبت قبول طلبات الزواج دون سن الأهلية سنة 2013 إلى 85.46 في المئة حسب بيانات وزارة العدل والحريات. ومع ذلك، لا تعبر هذه الأرقام عن حقيقة الظاهرة وحجم انتشارها، بحيث إن كل الزيجات المبرمة في بعض المناطق تتم على أساس العرف عن طريق قراءة الفاتحة فقط. والحال أن أرقام وزارة العدل والحريات وإحصائيات الحالة المدنية وتلك الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط لا تتضمن هذه الحالات.
حماية الأطفال
تتعاملخطة العمل الوطنية للطفولة مع مسألة حماية الطفل باعتبارها الحلقة الأضعف نظرا لانعدام التنسيق الكافي بين القطاعات والنقص في الموارد البشرية المؤهلة وفي الوسائل المرصودة لتنفيذ الخطة وغياب التتبع والتقييم. وخير مثال على ذلك وحدات حماية الطفولة؛ وهي آلية مكلفة بالتنسيق بين مختلف الفاعلين المحليين في مجال حماية الطفل، ومن مهامها الاستجابة عن طريق أنشطة القرب للحاجات المستعجلة للأطفال ضحايا العنف والاعتداءات والاستغلال.
وتتميز كل السياسات الموجهة إلى الأطفال بالمغرب إلى حدود اليوم بطابعها القطاعي، كما أنها لا تحظى بالتتبع والتقييم الكافيين وتفتقر إلى التنسيق والرؤية المندمجة ومن محدودية الأجرأة على المستوى الترابي، علاوة على أن القوانينالمنظمةلحقوقالطفلمبعثرةبينفروعالقانون (القانونالجنائي- مدونةالأسرة…).
صحة الأطفال
مازالت مشاكل التغذية منتشرة في اوساط الأطفال دون 5 سنوات. ويخلف سوء التغذية آثارا تلازم الطفل طوال حياته، تتجلى في شكل أمراض وهشاشة مزمنة أمام الأمراض وإعاقة عقلية، كما أنها تشكل خطرا يحيق بالأسرة والمجتمع بأكمله.
ويطرح أيضا، مشكل الصحة العقلية لدى الأطفال، خاصة في صفوف الفئة العمرية 15 سنة فما فوق؛ حيث إن 26.5 في المائة من أفراد هذه الفئة أصيب بحالة اكتئاب.
وهناك تزايد انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان عليها، وإن كنا نفتقر في هذا الصدد إلى إحصائيات وافية تحيط بحجم هذه الظاهرة ودرجة تفشيها على المستوى الوطني.وحسب التقرير الذي أصدره المرصد الوطني للمخدرات والإدمان بالمغرب سنة 2014، فإن تلميذا بالثانوي من أصل خمسة سبق له تدخين سيجارة، وأن واحدا من أصل عشرة قد تعاطى للقنب الهندي، وأن واحدا من أصل عشرة يتعاطى حاليا للتبغ، وواحدا من بين ثلاثين يستهلك القنب الهندي، ونصف عدد تلاميذ الثانويات يعتبرون تعاطي المخدرات أمرا عاديا، في حين أن تلميذا من أصل ثلاثة بالمستوى الثانوي تلقى عرضا بتناول مخدر قرب المؤسسة التعليمية.
تعليم الأطفال
يكاد يكون هناك إجماع على أن المدرسة المغربية لم تعد تساير التطورات ونضطلع بدورها كما يجب في تكوين أجيال المستقبل. وتكشف الأبحاث المنجزة في إطار الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم والدراسة الدولية للعلوم والرياضيات أن التلاميذ المغاربة ( الأطفال دون سن العاشرة) لديهم مستوى ضعيف جدا في القراءة والرياضيات، أقل بكثير من المعدل العالمي.
وتؤكد المؤشرات الواقعية والتقارير الدولية الصادرة مؤخرا أن ظاهرة الهدر المدرسي مازالت مستمرة، وتظل نسبتها مرتفعة جدا بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأبوين في أغلب الأحيان. وقد بلغت نسبة الهدر المدرسي 7.4 في المائة بالسلك الابتدائي و 18.5 في المائة بالسلك الثانوي الإعدادي و 27.5 في المائة بالسلك الثانوي التأهيلي. و 58.8 في المائة من التلاميذ انقطعوا عن الدراسة قبل استكمال التعليم الإجباري و 19.8 في المائة لم يلتحقوا قط بالمدرسة.
تشغيل الأطفال
يبقىتشغيل الأطفال دون السن القانون ظاهرة عالمية يعاني منها أغلب أطفال العالم، خاصة أطفال الدول النامية، حيث تتعدد الأسباب القهرية التي تدفعهم لولوج عالم الشغل، مما يضر بصحتهم ونموهم البدني والعقلي والروحي.
ولقد استفحلت ظاهرة تشغيل الأطفال في سن التمدرس لتشمل الجنسين من الذكور والإناث، وامتدت لتشمل العديد من القطاعات؛ بحيث يتم تشغيل الأطفال في ورشات النجارة التي تستقطب فئة كبيرة من الراغبين في العمل والتعلم، إضافة إلى ورشات الحدادة والميكانيك وأنشطة أخرى عشوائية… فيما توجه الفتيات للعمل بمعامل النسيج التقليدية. وقد أفادت المندوبية السامية للتخطيط في البحث الذي أجرته سنة 2013، حول التشغيل بأن 86000 طفلا تتراوح أعمارهم بين 7 و15 سنة يشتغلون، وضمنهم توجد آلاف الخادمات الصغيرات السن اللواتي يتعرضن لما يجمع كل المدافعين عن حقوق الطفل على اعتباره أحد أسوأ أشكال العمل. وإن كانت هذه الأرقام لا تعكس الحقيقة، لأن الأطفال في العالم القروي يصنفون إحصائيا كمساعدين عائليين كما أن هذه الإحصائيات لا تشمل الأطفال المشغلين في الاقتصاد غير المهيكل.
وعلى الرغم من خطورة الظاهرة التي تمس نسبة كبيرة من أبناء العائلات الفقيرة والمحدودة الدخل فإن جميع الجهات المعنية لا تتوفر على معطيات رقمية عن الظاهرة، وإن كانت تستشعر حجمها من خلال الواقع الذي يؤكد توظيف عدد كبير من الأطفال القاصرين في سوق الشغل خلافا للمواثيق الوطنية والدولية.
وكشف تقرير مكتب الأمم المتحدة للطفولة أن نسبة تشغيل الأطفال مرتفعة بثلاثة أضعاف في أوساط الأسر الفقيرة المتمثلة داخل المجتمع ب20 بالمائة مقارنة مع تلك الأكثر غنى. أما تقرير الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عمل الأطفال فقد ركز على الظروف السيئة (الأشبه بالعبودية) التي يعملون فيها والاستغلال الذي يتعرضون له من قبل أرباب العمل. داعيا إلى سن قوانين تمنع عمل واستغلال الأطفال.
الاستغلال الجنسي للأطفال
يعتبر الاستغلال الجنسي للأطفال من أبشع الجرائم التي يتعرض لها الأطفال،بحيث يقضي على براءتهم ويدخلهم في عالم الرذيلة، ضف إلى ذلك أنهم يتعرضون لكافة ألوان التعذيب والإكراه البدني والنفسي لممارسة مثل هذه الأفعال. ورغم أنه ليست هناك معطيات موثقة حول هذه الظاهرة، إلا أنها بدأت تتخذ حجما مقلقا مع تطور شبكات التواصل الاجتماعي، وهي ظاهرة لا تحظى بالدراسة والاهتمام الكافيين رغم خطورتها.
وتعتبر شبكة الإنترنت أكثر الوسائل فعالية وجاذبية لصناعة ونشر المواد الإباحية الجنسية، وقد أصبح الانتشار الواسع للصور والأفلام الإباحية على شبكة الإنترنت يشكل قضية ذات اهتمام عالمي في الوقت الراهن بسبب الزيادة الهائلة في أعداد مستخدمي الإنترنت حول العالم. والأخطر هو أن أكثر المتداولين للمواد الإباحية هم من فئة الأطفال واليافعين ما بين 14و17 سنة، وأن 93% من المراهقين الذين يرتادون صفحات الدعارة لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحون.
ومما يفسر العدد الكبير من القاصرين الذين تورطوا في فضائح جنسية على الإنترنيت، وجود فراغ قانوني في المغرب، يتمثل في أن النيابة العامة لا تتدخل حتى تتوصل بشكايات من الضحايا رغم أن العديد منهم لا يستطيعون ذلك، والافتقار لترسانة النصوص القانونية لتجريم الجريمة البيدوفيلية عبر الإنترنيت، وحيازة الصور الإباحية للقاصرين، بالإضافة إلى تقصير الأسر في حق أطفالهم وانفتاحهم الإلكتروني على بعض المواقع الإباحية، وغياب جمعيات تدافع عن القاصرين ضحايا الإنترنيت، وكذا عدم وجود برامج حكومية للتحسيس بمخاطر الجريمة الالكترونية…
زواج القاصرات
يمكن التأكيد أن هذه الظاهرة سادت في البداية في الوسط القروي، ولكنها أصبحت اليوم منتشرة أكثر في الوسط الحضري.فحسب إحصائيات وزارة العدل والحريات لسنة 2013 نجد 51.79 في المائة من الطلبات في الوسط الحضري. وقد ارتفع عدد هذه الحالات في الفترة مابين 2007 و 2013 وبلغت نسبة زواج القاصرات والقاصرين 11.47 في المائة من العدد الإجمالي للزيجات.
ويعتبر التقصير الذي عرفته مدونة الأسرة من خلال المادة 20 التي تنص على أنه: « لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي » سببا رئيسا ومباشرا في تفشي هذه الظاهرة. وقد حذر التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة من الآثار السلبية التي ينطوي عليها زَواج الفتيات المبكر في المغرب بسبب انقطاعهن عن الدراسة، ما يُسبِّب إعادة إنتاجِ ظُلمٍ جديدٍ لأطفال آخرين ويزيد من احتمال تعرضهم للعَمالَة بسبب تَدَنِّي مستوى الوالدين التعليمي. التقرير أكد أن عملية حماية القاصرات لا تزال معقدة نظرا للفئات العديدة والمختلفة المُعرَّضة لهذا الخطر خاصة المتواجدات من الإناث خارج النظام المدرسي، والخادمات الصغيرات المستغلات اقتصاديا «العمالة»، وضحايا الاعتداءات الجنسية، والإناث المتخلى عنهن خاصة عند الولادة.
الأطفال في وضعية الشارع
لقد تضاعف عدد الأطفال في وضعية الشارع ليصل إلى أزيد من 10000 طفل في الدار البيضاء وحدها، كما أنهم معرضون لخطر العنف الجسدي والاعتداء الجنسي. ويوجد طفل من بين كل خمسة أطفال يهدده خطر المخدرات. أماأسباب تواجد هؤلاء الأطفال بالشارع فجد مركبة ومختلفة، مابين أسباب اجتماعية واقتصادية؛ تتعلق بالعنف الأسري وحالات التحرش الجنسي داخل الأسرة ودعارة أحد أفراد الأسرة والإدمان على المخدرات وضعف الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية والفقر… مما يدفعهم للخروج للشارع كفضاء يعتبرونه مجالا لحرية افتقدوها في وسطهم الأسري. وحري بالذكر أن الأطفال الذين يعيشون بصفة دائمة في وضعية الشارع ليست لهم أي إمكانية ليستفيدوا مباشرة من العلاجات الصحية، وتنحصر استفادتهم فيما يقدمه المتطوعون والجمعيات في هذا المجال.
هجرة الأطفال
يشكل موضوع تشرد القاصرين المغاربة في شوارع إسبانيا وإيطاليا وغيرها من دول الاتحاد الأوربي خاصة، أكثر القضايا حساسية في العلاقات المغربية الأوربية، ذلك أن هجرة الأطفال بين ضفتي المتوسط، وما يواجهونه من مخاطر، أصبحت تستأثر باهتمام بالغ من طرف الاتحاد الأوربي.فقد رصدت بعض التقارير أن الأطفال المغاربة غير المرافقين يسقطون في يد العصابات الإجرامية فيستخدمون كقطع غيار لأثرياء أوروبا من خلال بتر أعضاء بشرية من أطفال مهاجرين غير شرعيين وبيعها لزرعها لأطفال وشباب أوروبا. هذا وتتحدث بعض الأخبار عن سحب الأطفال المغاربة من أسرهم المعوزة من قبل المصالح الاجتماعية الإيطالية ودفعهم لأسر الأوربية تفعل بهم ما تشاء.
أما بخصوص الأطفال المهاجرين بالمغرب، فقد كشفت شبكة الجمعيات التي تعنى بهؤلاء الأطفال من خلال دراسة قامت بها سنة 2014، أنهم يتعرضون لأشكال مختلفة من العنف وظروفهم العامة يطبعها الاضطراب وعدم الاستقرار، ويتعرضون لكل أنواع المخاطر والمعاناة مما يجعل نمط حياتهم أقرب إلى التشرد بعيدا عن أي مشروع حياتي مستقر وواضح المعالم.
الاتجار بالأطفال
تعد مشكلة الاتجار بالأطفال من أكبر القضايا المطروحة على الصعيد العالمي، بحيث تنامت هذه الظاهرة بشكل رهيب نظرا لما تدره من أموال طائلة على أصحاب هذه المهنة، ولسهولة الغنيمة المتحصل عليها؛ فالأطفال يختطفون كرها او بطرق احتيالية ويوجهون إلى مناطق معروفة بالاتجار بهم، مما يشكل تهديدا كبيرا لنمائهم صحيا ومنعهم من التمتع بكامل حقوقهم المصونة.
وسبق أن كشفت وزارة العدل عن تورط مجموعة من الجمعيات المغربية في « تصدير » أطفال مغاربة إلى وكالات أجنبية خارج القانون بغرض بيعهم لعائلات ثرية بمجموعة من الدول الأوروبية.وأضاف تقرير أعدته مصالح مختصة تابعة للوزارة نفسها أن من بين المناطق الأكثر تضررا من « سرقة الأطفال » وتهريبهم بشكل لا قانوني هي مناطق الشمال، خاصة مدينة الناظور، التي عرفت وما زالت حركة غير عادية لتصدير الأطفال نحو مليلية حيث تتكفل بهم بعض مؤسسات تعمل في « التنصير ».
وحسب معطيات وزارة العدل والحريات فإن الأمر يتعلق بحالات محدودة، يدل على ذلك عدد القضايا من هذا النوع التي عرضت على القضاء سنة 2013، إذ لم تتجاوز ثلاث قضايا تهم “الوساطة في بيع القاصرين”. وهناك احتمال كبير أن يكون هذا الرقم بعيدا عن واقع الحال لصعوبة ضبط هذا النوع من المعاملات وتقديم الدليل عليها.
عدالة الأحداث
مازالت جد بعيدة عن المعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال، إذ يغلب عليها الطابع الزجري، وفي أغلب الأحيان يحكم على الأطفال بالإيداع في مراكز للحماية وغالبا دون تعليل هذا الحكم، كما أن الجزاءات البديلة عن مؤسسات الإيداع لا يتم اللجوء إليها إلا نادرا. إضافة إلى ذلك يتعرض الأطفال للاحتجاز لمدة طويلة قبل محاكمتهم، ولا تتوافق طرق مشاركة الطفل في المسطرة القضائية مع المعايير المعمول بها دوليا في مجال عدالة الأحداث، وخاصة فيما يتعلق بحق الطفل في أن يستمع إليه والحق في أن يمثله محام له تكوين خاص في هذا المجال.
مشاركة الأطفال
تمنح الاتفاقية الدولية لحقوق الطقل معنى واسعا لمفهوم مشاركة الأطفال (المواد 12،13،31)؛ حيث يقصد به “المشاركة في اتخاذ القرار في مختلف الهيئات المنتخبة، وحق الطفل في أن يستمع إليه من خلال إعمال المساطر الإدارية والقانونية المتعلقة به والحق في الحياة الجمعوية والحق في الاستفادة من وسائل الترفيه ومن الثقافة ومن المعلومات المتلائمة مع شخصه وسنه، وبهذا المعنى تصبح المشاركة مدخلا أساسيا لتنمية وبناء شخصية الطفل وتطوير وعيه النقدي وإعداده كي يكون مواطنا واعيا بحقوقه وواجباته”.
وفي غياب مؤشرات لتتبع درجة تمتع الأطفال بهذا الحق، وانعدام معطيات متأتية من دراسات وأبحاث وطنية في هذا الصدد، يبقى من الصعب قياس حجم مشاركتهم في الحياة العامة بطريقة موضوعية. ومع ذلك، فإن استقراء نتائج بعض الدراسات والمقارنة بينها يبين أن حق الطفل في المشاركة في اتخاذ القرار وفي الحياة العامة داخل المجتمع لا يحترم بما فيه الكفاية ولا يراعى كما يجب في مختلف أماكن عيش الأطفال.
التمييز ضد الأطفال
يتعرض الأطفال لأشكال تمييز مختلفة مرتبطة أساسا بالجنس أوبالإعاقة أوبوضعيتهم كمهاجرين أو بنمط العيش في وضعية الشارع أو بسبب وضعيتهم السوسيو-اقتصادية.وكمثال على ذلك:
- هناك نسبة مهمة من الفتيات القرويات ينقطعن في سن مبكرة عن الدراسة بسبب الضغوط التي يتعرضن لها من طرف الأبوين. والآباء بدورهم تدفعهم ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى ضغط المعايير الاجتماعية إلى التصرف على هذا النحو. وتمثل هذه الفئة من الفتيات النسبة الأكبر من “الخادمات الصغيرات السن” العاملات في المنازل.
- لا يقبل في المدارس سوى الأطفال في وضعية إعاقة الذين تسمح لهم إعاقتهم متابعة الدراسة بشكلها المألوف التقليدي، وليست هناك أي محاولة لتكييف النظام التعليمي مع مختلف الإعاقات. ومازلنا نفتقر إلى إحصائيات ودراسات لقياس درجة اندماج الأطفال في وضعية إعاقة في فضاء المدرسة. وقد كشفت الدراسة المنجزة حول الإعاقة سنة 2004 أن طفلين من بين ثلاثة أطفال في وضعية إعاقة لا يذهبون إلى المدرسة، وأن ستة من بين عشرة أطفال في وضعية إعاقة لم يلتحقوا بها قط.
- تتعدد العقبات السوسيو-اقتصادية والثقافية أمام عملية تمدرس الأطفال المهاجرين، مع الإشارة إلى تحقيق بعض التطور في هذا المجال، منذ صدور دورية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني سنة 2013، والتي سهلت نسبيا عملية الالتحاق بالمدرسة، حيث تمكن 7418 طفلا مهاجرا من الالتحاق بالمدرسة العمومية خلال الموسم الدراسي 2014/2015، وإن كانت الدورية المذكورة قد حصرت نطاق الاستفادة من هذا الإجراء في “الأجانب المنحدرين من بلدان الساحل وجنوب الصحراء” ولم توسع نطاق الاستفادة ليشمل الأطفال الأجانب بشكل عام.
التوصيــــــــات
إنالعصبةالمغربيةللدفاععنحقوقالإنسان،واقتناعامنهابأنالأسرة،باعتبارهاالوحدةالأساسيةللمجتمعوالبيئةالطبيعيةلنموورفاهيةجميعأفرادهاوبخاصةالأطفال،ينبغيأنتولىالحمايةوالمساعدةاللازمتينلتتمكنمنالاضطلاعالكاملبمسؤولياتهاداخلالمجتمع.
وإذترىأنهينبغيإعدادالطفلإعداداكاملاليحياحياةفرديةفيالمجتمعوتربيتهبروحالمثلالعلياالمعلنةفيميثاقالأممالمتحدة،وخصوصابروحالسلموالكرامةوالتسامحوالحريةوالمساواةوالإخاء،وإذتضعفياعتبارهاأنالحاجةإلىتوفيررعايةخاصةللطفلقدذكرتفيإعلانجنيفلحقوقالطفللعام 1924 وفىإعلانحقوقالطفلالذياعتمدتهالجمعيةالعامةفي 20 /نوفمبر 1959 والمعترفبهفيالإعلانالعالميلحقوقالإنسانوفىالعهدالدوليالخاصبالحقوقالمدنيةوالسياسية (ولاسيمافيالمادتين 23 و 24) وفىالعهدالدوليالخاصبالحقوقالاقتصاديةوالاجتماعيةوالثقافية (ولاسيمافيالمادة 10) وفىالنظمالأساسيةوالصكوكذاتالصلةللوكالاتالمتخصصةوالمنظماتالدوليةالمعنيةبحمايةالطفل واحترام حقوقه،تطالببمايلي :
- رفعالدولةلتحفظاتهاعلىالمادة 14 مناتفاقيةحقوقالطفل،والمصادقةعلىباقــــــــــــيالاتفاقياتالأخرىذاتالصلة؛
- سنقوانينوتشريعاتوطنيةخاصةبالطفلتكونمرجعيتهاالمواثيقالدوليةلحقـــــــــــوقالإنسان؛
- اتخاذكافةالتدابيرالضروريةلحمايةالأطفالمنجميعأشكالالعنفالبدنيوالنفســـــــــيوالجنسي؛
- ضمانتمتعالأطفالبأعلىالمستوياتمنالتغذية،والصحةوالتعليمووسائلالترفيــــــــــهواللعب، والعنايةبالصحةالإنجابيةوبصحةالأطفال،قبل،وأثناءوبعدالولادة؛
- خلقمؤسساتووضعبرامجلفائدةالأطفالالمعاقينوأطفالالشوارع،معتقديمالدعــــــمالملائملأسرهم. مع اعتمادتخطيطاقتصاديواجتماعيوثقافييضمنلكافةالأطفالالحقوقالأساسية؛
- ملائمةالقوانينالمغربيةمعالاتفاقياتالدوليةلحقوقالإنسانوفيمقدمتهااتفاقيةحقوقالطفلووضعمدونةخاصةبالأطفال؛
- التطبيقالفعليلإجباريةالتعليموضمانجودتهوتوفيرالشروطالمساعدةعلىذلك من خلال دعم برنامج تمدرس الفتيات خاصة بالعالم القروي؛
- منعظاهرةتشغيلالطفلاتكخادماتبالبيوت،وإصدارقوانينزجريةتخصذلك؛
- دعمالجمعياتالحقوقيةوالمنظماتالمهتمةبالطفولةغيرالحكوميةوتمكينهامنالوسائلالتيتساعدعلىأداءعملهاوتحقيقبرامجها؛
- إعطاءأهميةقصوىلظاهرةالهجرةالسريةللأطفالومعالجةأسبابهابمايجعلحداللمآسيالمترتبةعنهذهالظاهرة؛
- تغييرالبرامجالدراسيةالمتعارضةمعمبادئحقوقالإنسانوالعملعلىالتربيةعلىالمساواةوعدمالتمييز؛
- إقراربرنامجاستعجاليوميزانيةخاصةلضمانالحقوقالأساسيةللأطفالوبالخصوصفيالمناطقالفقيرةبالمدنوبالواديوالأحياءالهامشية؛
- ضرورةتعميموضماننوعمنالتربيةماقبلالمدرسيةلجميعالأطفالسواءفيالمناطقالحضريةأوالقروية؛
- تبنيخطةوطنيةاستعجاليةللتصديلاستفحالظاهرةالأطفالالمشردينوالمتخلىعنهم؛
- عدمالجمعبينالأطفالفيوضعيةصعبةوالأحداثالجانحينفيمؤسساتحمايةالطفولة،مع إيلاء العناية الازمةللأطفالالذينيولدونبالسجن؛
- إقامة مؤسسة قضاء الأحداث، والعمل على وضع تدابير بديلة عن الحرمان من الحرية ( العمل في وسط مفتوح وأشغال المصلحة العامة والوساطة)؛
- الاهتمامبالأطفالالمغاربةالعائدينمنالخارجوضرورةتوفيرالمصاحبةالنفسيةلإعـــــــــــــادةاندماجهموتوجيههممعالبيئةالمغربية؛
- تفعيلالآلياتالقانونيةوالالتزامبالمعاهداتالدوليةالتيتنصعلىحمايةالأطفالمنجميعأشكالالاستغلالالجنسي؛
- إحداثمراصدوطنيةوإقليميةفيمجالمحاربةالاستغلالالجنسيللأطفال؛
- وضعإجراءاتملموسةللحدمنالسياحةالجنسيةبمافيهاالتنسيقدوليالوضعلائحةسوداءلمغتصبيالأطفالالأجانبلمنعهممنالدخولإلىالمغرب؛
- سنوتفعيلقوانينلمكافحةاستغلالالأطفالجنسياعبرشبكاتالإنترنيت؛
- الاهتمامبأوضاعالأطفالالمغاربةالمحتجزينفيمخيماتتندوف؛
- الاهتمامبالأطفالالمغاربةالقاصرينضحاياالهجرةالسريةبالدولالأوروبيةوبعضالدولالعربية؛
- حذفالمادة 20 منمدونةالأسرةالتيتشجعالاعتداءالجنسيعلىالطفلمنخلالإعطاءالإذنلتزويجالقاصر؛
- تمكينالجمعياتوالمنظمات الحقوقية منحقمراقبةمراكزإيواءالأطفالوإعادةالتربيةوالإصلاحياتوجميـعالمؤسساتالتيتهتمأولهاعلاقةبالطفل؛
- إلغاءالبرامجالمخالفةلقيمحقوقالإنسانالموجهةللطفلواحترامالهويةالثقافيةوتمكينالأطفـــــالالأمازيغمنممارسةحقوقهمالثقافيةواللغوية؛
- مكافحةالصورةالإعلاميةالنمطيةالتيتقدمعنالطفلفيمختلفالبرامجوالفواصلالإشهارية؛والتيلاتخلومنإساءةنفسيةوتربويةللطفلفيبعضالأحيان؛
- وضعخططوبرامجلتكوينالعاملينبالأجهزةالقضائية،والسلطاتالتنفيذية،والمراكزالاجتماعيةوكلالفئاتالتيلهاصلةبالطفل؛
- خلقمؤسسةوطنيةمستقلةتعنىبحقوقالطفل،تكونمهمتهاتتبعأوضاعالطفولةوتلقيالشكايات؛
- وضعبرامجلمواجهةظاهرةأطفالالشوارع،وتقديمالمساعدةالضروريةلهمولأسرهم،والنهوضبالمراكزالاجتماعيةالتيتستقبلالأطفالفيوضعيةصعبة،ووضعآلياتلمراقبتها؛
- العملعلىإصدارمدونةخاصةبحقوقالطفلتتضمنجميعالقوانينالصادرةفيهذاالمجال؛
- حلولالدولةمحلالأبوينفيتوفيرمقريأويالأطفالالمتخلىعنهم؛
- الاهتمامبالأطفالالمهاجرينوتمكينهممنكافةالحقوقبدونتمييز؛
- ضمانتمتعالطفلالمعاقعقلياأوجسديابحياةكاملةوكريمةلهولوالديهأولمنيقومونبرعايته؛والعملعلىتحقيقاندماجهالاجتماعيونموهالفردي،عبرتوفيرخدماتمجانيةفيمجالالتعليموالتدريب،والرعايةالصحية،وإعادةالتأهيلوالإعدادلممارسةالعملوالاستفادةمنالخدماتالترفيهية؛
- التنصيص على توفير الولوجيات لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة ضمن القوانين المتعلقة بالتعمير؛
- الالتزامبوضعالتقاريرالحكوميةفيالآجال،طبقالمقتضياتاتفاقيةحقوقالطفلوالبرتوكولينالاختياريينالملحقينبها،معنشرالاتفاقيةوالملاحظاتالختاميةالصادرةعنلجنةحقوقالطفلعلىنطاقواسع،والنهوضبالحقفيالتعبيرومشاركةالأطفالفيكلشؤونهم؛
- اتخاذإجراءاتسريعةمبسطةوفعالةلتسجيلالمواليد،وجعلحدلرفضالتسجيلبالأسماءالأمازيغية؛
- إعادة تحديد مسؤوليات ومهام قطاعي الشباب والرياضة في مجال حماية الطفولة بوضوح، وذلك بتوجيه العمل الذي تقوم به في الوسط المفتوح، والتنشيط السوسيو-ثقافي والتربوي والبيداغوجي والرياضي المعتمد على مبدأ القرب، وذلك بإعطاء الأولوية للجودة ولضمان استفادة الأطفال في وضعية هشاشة من هذه الأنشطة؛
- إنجاز تشخيص ترابي لوضعية الأطفال، يتضمن تحديد الإشكاليات وأبعادها على المستوى الجهوي وحجم الحاجات من الموارد وجردا لمختلف الفاعلين (القطاعات الوزارية اللامتمركزة والجمعيات الحقوقية والجماعات المحلية…)؛
- إنشاء لجنة إقليمية لحماية الطفولة على المستوى الإقليمي مكلفة بترجمة السياسة المندمجة لحماية الطفولة إلى مخططات عمل وبتنسيق التدخلات على مستوى كل إقليم؛
- السرية والحماية ضد الترهيب والمواجهة مع المعتدي من خلال تطبيق المقتضيات الجديدة المتعلقة بحماية الشهود؛
- إلزام المؤسسات بحظر كل أشكال العنف تجاه الأطفال. مع تشديد العقوبات ضد مرتكبي العنف ضد الأطفال وضد المتورطين في استغلالهم؛
- إجبارية احترام حقوق الطفل وخاصة حقه في المشاركة، وتشجيع استفادة الأطفال دون تمييز من الأنشطة الثقافية والترفيهية وتنمية الأنشطة الموازية؛
- حماية حقوق أطفال الأمهات العازبات وذلك من خلال إلغاء المادة 490 من القانون الجنائي؛
- تضمين النصوص القانونية مسألة الانتهاكات المتعلقة باستدراج الأطفال عبر الأنترنيت واستغلالهم جنسيا؛
- إحداث آلية طعن مستقلة مختصة في مراقبة حقوق الطفل داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عند مراجعة القانون المتعلقة بهذه المؤسسة، ومنحها صلاحية تلقي الشكايات الصادرة عن الأطفال، والتحري حولها ومعالجتها في احترام تام لحساسية الطفل. ويتعين الشروع في عملية مراجعة النظام اأساسي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخاصة بعد توقيع المغرب على البروتوكول الاختياري الثالث المكمل للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل؛
- حث المندوبية السامية للتخطيط على إنتاج إحصائيات سنوية مبنية على معطيات متأنية من مصادر متنوعة حول وضعية الأطفال.