المؤتمر الثامن : وثيقة اللجنة الموضوعاتية المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية
المنسق: الأخ العربي ثابت
إن استناد العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في مرجعيتها على تراث الفكر الإنساني المناهض للاستبداد والطغيان، والمدافع عن الحرية والكرامة الإنسانية. يستتبع بالضرورة إيمانها المطلق بعدم قابلية منظومة حقوق الإنسان للتجزيء أو الانتقائية في التعاطي والتنزيل. فالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وإن كانت تبدو ظاهريا أنها تشكل جيلا ثانيا من حقوق الإنسان، فإنها في الواقع تعتبر النواة الصلبة للجيلين الثالث والرابع من حقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بالحق في التنمية، كما أن أهميتها تبرز في ارتباط بالجيل الأول المتعلق بالحرية والديمقراطية، فلا حرية لجاهل أو جائع، كما لا سبيل إلى حياة كريمة في ظل الاستبداد والطغيان.
ومن أجل تناول هذا الموضوع، فإننا في اللجنة الموضوعاتية المكلفة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثامن للعصبة، وباستحضار مختلف الوثائق المرجعية للعصبة، خاصة وثائق المؤتمرات السابقة المرتبطة بالموضوع، ومختلف مواقف العصبة المعبر عنها من خلال البيانات العامة لمؤتمراتها، ومجالسها الوطنية، وأيضا مكتبها المركزي، بالإضافة إلى مذكراتها حول المواضيع المختلفة المرتبطة بهذه الحقوق، والتي تعتبر ما تزال محافظة على راهنيتها، ولأجل ذلك نقترح أن تتناول هذه الوثيقة النقط التالية:
- الإطار المعياري الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةوالبيئية؛
- الإطــار القــانوني والمؤسساتي الوطني؛
- السياق العـــام الاقتصادي والاجتماعي؛
- اتســاع هــوة الفوارق الاجتماعية والمجالية؛
- وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بالمغرب؛
- التوصيات.
الإطــار المعياري الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية:
انتبه المنتظم الدولي بشكل مبكر إلى أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بحيث تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مجموعة من مواده إشارات لمضامين هذه الحقوق، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبروتوكول الملحق به، كما قامت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بإصدار عدد من التعليقات العامة، تقدم من خلالها بشكل دقيق شروحات وتفسيرات بشأن هذه الحقوق، وبشان كيفيات إعمال العهد، خاصة ما يتعلق بطبيعة التزامات الدول، غير أنه وبالإضافة إلى هذه الوثائق المرجعية، والتي يطلق عليها في أدبيات الثقافة الحقوقية، بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فقد عملت منظمة الأمم المتحدة سواء من خلال جمعيتها العامة، أو عبر وكالاتها المتخصصة بإصدار عدد من الصكوك الدولية التي تؤطر هذه الحقوق، وذلك بغض النظر عن النقاش الإيديولوجي حول طبيعة هذه الحقوق، وطبيعة التزامات الدول في ما يتعلق بتنزيلها، والذي يرافق إصدار هذه الصكوك داخل أروقة المنظمات الدولية خاصة منظمة العمل الدولية ومنظمة التجارة العالمية ومجلس حقوق الإنسان، والذي، حيث يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى:
- معايير العمل الدولية، التي تؤطرها اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية؛
- اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي؛
- إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ و الحقوق الأساسية في العمل؛
- إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من اجل عولمة عادلة؛
- إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية؛
- خطة التنمية المستدامة؛
- الإعلان العالمي للتنوع الثقافي؛
- إعلان الأمم المتحدة بشأن التثقيف و التدريب في مجال حقوق الإنسان.
إن أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، تكمن في ارتباطها الجدلي بمفهوم الكرامة الإنسانية، حيث أن استقراء معظم الصكوك الدولية المشار إليها وبشكل خاص التعليقات الصادرة عن اللجنة المعنية، يبرز أن هذه الحقوق يمكن إجمالها في:
- حق المواطنات والمواطنين في التمتع بحقوقهم على قدم المساواة.
- الحقوق الشغليةبمختلف تصنيفاتها.
- الحق في الصحة بحميعتجلياته.
- الحق في التربية و التعليم.
- الحق في السكن.
- الحقوق الثقافية.
- الحق في بيئة سليمة و تنمية مستدامة.
وإذا كان مفهوم المساواة في التمتع بالحقوق والحريات يعتبر مفهوما أفقيا يتداخل وباقي الحقوق بما يفرض عدم التمييز في تمتع المواطنات والمواطنين بحقوقهم سواء بسبب الجنس، العرق، اللون، الدين أو الانتماء الاديولوجي أو العقدي أو غيرها من مظاهر الاختلاف الطبيعية التي يستوعبها كل مجتمع. وفق ما نصت عليه هذه الصكوك الدولية، فإن هذه وثيقة سنحاول من خلالهاابراز وضعية هذه الحقوق انطلاقا من مقاربة حقوقية الحقوقية وبالاستناد إلى مضامين الصكوك المشار إليها باعتبارها إطار مرجعيا.
- الإطار القانوني والمؤسساتي
أكدت الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، من خلال تصديرها الذي نصت على اعتباره جزءا لا يتجزأ من الدستور، على التزام الدولة المغربية و”تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا”، بالإضافة إلى تأكيدها على الالتزام ب:”حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء” و”جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة تلك التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”.
واعتبارا لما تقتضيه هذه المبادئ المعلنة من قبل المشرع الدستوري، والتي تؤكد حجم التراكم الذي حققه المغرب في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، فقد كان لزاما أن يتبع ذلك تأكيد لهذا الاختيار عبر مراجعة هندسة متن النص الدستوري ليتلاءم مع المبادئ المعلنة، وذلك بتخصيص الباب الثاني من الدستور للحقوق والحريات الأساسية، (الفصول من 19 إلى40)، مباشرة بعد الباب المتعلق بالمبادئ العامة، والارتقاء بمجموعة من مؤسسات الحكامة وحماية حقوق الإنسان إلى مستوى المؤسسات الدستورية، إضافة إلى التأكيد على عدم قابلية المكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور للمراجعة.
حيث تم لأول مرة من خلال الوثيقة الدستورية، التنصيص على إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، مؤسسة الوسيط، مجلس الجالية المغربية في الخارج، هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، كما تم تحديد اختصاصات هذه المؤسسات وصلاحياتها من خلال القوانين المتعلقة بها، والتي تم وضعها لأول مرة، أومراجعة بعضها كما هو الحال بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك لجعلها متماشية مع الوضع الدستوري الجديد.
وإذا كانت الوثيقة الدستورية قد حسمت في مسألة الهوية الثقافية للمملكة من خلال تصدير الدستور الذي أكد على “تشبث المملكة المغربية.. بوحدتها الوطنية وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية الموحدة بانصهار مكوناتها العربية، الإسلامية، والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء” بالإضافة إلى الفصل الخامس من الدستور الذي ارتقى باللغة الأمازيغية إلى مستوى اللغة الرسمية بعد اللغة العربية، ناهيك عن واعتبار الحسانية جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وهو الأمر الذي استلزم تنزيلا على المستوى القانوني، والمؤسساتي، من خلال إصدار كل من القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية، ثم القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وذلك تيسيرا لحق المواطنات والمواطنين في الوصول إلى التراث الثقافي واللغوي.
إن هذا الترصيد الدستوري للحقوق والحريات، بمختلف أجيالها، وما واكبه من تأطير قانوني على مستوى القوانين التنظيمية والعادية، إضافة إلى الجانب المؤسساتي وعلى أهميته يظل إجراءً غير كافي مالم تنعكس آثاره على مستوى الممارسة الحقوقية التي تترجم الانتظارات والانشغالات الحقيقية للمواطنين، وهو الأمر الذي ظلت العصبة تنادي به من خلال مختلف الوثائق الصادرة عن مؤتمراتها ومجالسها الوطنية، خاصة مؤتمريها الوطنين السادس والسابع، الذين أكدت فيهما بشكل صريح دعوتها إلى الإصلاح الدستوري معتبرة إياه أولوية الأولويات، مشددة على الفرق بين الإصلاح والتعديل، بما يضمن الترجمة الفعلية للحقوق والحريات وتنزيلها من النص إلى الواقع، خاصة فيما يرتبط بالصلاحيات الممنوحة للجهات والجماعات الترابية الأخرى، والمهام المنوطة بكل من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، واستقلالها الفعلي عن بعضها.
السياق العام الاقتصادي والاجتماعي
شهد المغرب، خلال السنوات الأخيرة، حراكات اجتماعية متكررة، تحمل في مجملها مطالب ذات صبغة حقوقية، ترتبط في عمقها بالطابع الاجتماعي والاقتصادي، وذلك على عكس المطالب المرفوعة خلال فترة الربيع العربي الذي انطلقت شرارته بالمغرب في 20 فبراير 2011، وانتهى إلى التعديل الدستوري، والتعجيل بالانتخابات التشريعية آنذاك.
حيث ارتبطت مختلف الحركات الاحتجاجية بالمغرب خلال السنوات الأربع الماضية، بالقضايا المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، حيث تمثلت أغلب المطالب في:
- الحق في الولوج إلى العمل؛
- الحماية الاجتماعية وأنظمة التقاعد؛
- الماء الصالح للشرب؛
- الحق في الصحة، والولوج إلى العلاج؛
- الحق في بيئة آمنة؛
- الحق في احترام الخصوصية الثقافية؛
- الحق في تعليم جيد ومتكافئ.
غير أن أبرز الحركات الاحتجاجية المسجلة، كانت ترتبط بمناطق معينة، حيث كانت منطقة الريف والحسيمة على الخصوص في مقدمة المناطق التي شهدت حركة احتجاجية قوية استمرت بشكل سلمي لأزيد من عشرة أشهر، قبل أن يتم التعامل قمعها عبر التدخل الأمني واعتقال رموزها والذين ما تزال محاكمتهم مستمرة على مستوى الاستئناف، ويمكن تلخيص أهم مطالب هذا الحراك، في احترام الخصوصية الثقافية للمنطقة، ثم الحق في الولوج إلى العلاج من خلال فتح مستشفى متخصص في الأنكولوجيا بالمنطقة، إضافة إلى الحق في الشغل بالنسبة للشباب.
وبالإضافة إلى الحسيمة يسجل أيضا أن منطقة زاكورة قد عرفت أيضا حركة احتجاجية غير مسبوقة، بمطلب وحيد، تمثل في الماء الصالح للشرب، وهو ما عرف آنذاك بثورة العطش.
ناهيك عن حركة احتجاجية أخرى شهدتها منطقة جرادة شرق المغرب، بمطلب أساسي ووحيد يتمثل في الحق في الشغل، والحق في الحماية الاجتماعية، وذلك بعد توقيف اشتغال آبار الفحم، وما نتج عنه من توقف الحياة الاقتصادية بالمنطقة.
وإلى جانب هذه الحراكات الاجتماعية المرتبطة بالمجال الجغرافي، فقد شهدت الفترة السابقة أيضا احتجاجات أخرى ترتبط بالفئات الاجتماعية، تمثلت على الخصوص في حركة الأساتذة المتعاقدين، والموظفين بعد تمرير القوانين المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد، بالإضافة إلى احتجاجات الممرضين، والطلبة الأطباء، وفئات اجتماعية متعددة، كما تجدر الإشارة أن الفترة السابقة قد عرفت إعلان عدد الإضرابات في مختلف القطاعات والوحدات الإنتاجية، بلغت حد إعلان إضرابين عامين من طرف المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا خلال سنتي 2015 و 2016.
اتساع هوة الفوارق الاجتماعية والمجالية
تشكل الفوارق الاجتماعية والمجالية، أحد أبرز المشاكل التي تعاني منها المنظومة الاجتماعية بالمغرب، وذلك على جميع الأصعدة، وهو الأمر الذي انتبهت إليه مجموعة من المؤسسات الرسمية للدولة، وعملت على تشخيص الواقع بشأنه، كما هو الحال مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي خصص ضمن تقريره السنوي لسنة2017، موضوعا خاصا يتعلق بالفوارق الاجتماعية والمجالية، كما اهتم بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي خصص تقريرين للمسألة الأول تحت عنوان الأطلس المجالي والترابي للفوارق في التربية برسم سنة2017، والثاني تحت عنوان مدرسة العدالة الاجتماعية برسم سنة2018، ناهيك عن التقرير السنوي لبنك المغرب برسم سنة 2018 والذي أكد فيما يتعلق بإحداث مناصب الشغل، استئثار ثلاث جهات من جهات المملكة بنسبة 71 بالمائة من مناصب الشغل المحدثة، هذا دون الحديث عن معدلات البطالة والشغل الناقص التي تفصل بشأنها التقارير السنوية لهذه المؤسسة، بالإضافة إلى التقارير المتعلقة برصد سوق الشغل التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط.
ولما كانت العصبة باعتبارها منظمة حقوقية مواكبة لكل التطورات التي تشهدها الساحة الوطنية، وبما لها من امتداد ترابي على صعيد الوطن من خلال فروعها المحلية والإقليمية، تعمل على مدار السنة على رصد وتتبع المعطيات الرقمية الصادرة عن المؤسسات الرسمية ومقارنتها بالواقع المعاش، فإنها تسجل وبكل أسف أن السياسات العمومية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، تسير وبكل أسف في اتجاه التطبيع مع هذه الفوارق الاجتماعية والمجالية، رغم كل التنبيهات والصرخات التي تطلقها الحركة الحقوقية في هذا السياق، والتي باتت تتقاسمها إلى جانبها مؤسسات رسمية، دون أن يكون لتقاريرها أي صدى على مستوى التدبير الاستراتيجي للسياسات العمومية.
وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بالمغرب
إذا كان الوضع الاجتماعي والاقتصادي المغربي، كما تشهد عليه التقارير الدولية خاصة ما يرتبط بمؤشرات الفقر والهشاشة، قد بلغ وضعا مزمنا أضحى يتهدد السلم الاجتماعي، خاصة أن انخفاض مؤشرات التنمية، لا تقابله إلا مؤشرات تتعلق بارتفاع البطالة والفقر والشغل الناقص، واختزال الحماية الاجتماعية في مفهوم ضيق يستثني فئات متعددة من المجتمع، فإن واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يمكن إجماله فيما يلي:
- على مستوى الحق في الشغل:
يشكل الحق في الشغل أو العمل، جوهر الجيل الثاني من حقوق الإنسان، باعتبار العمل أساس الكرامة، وباعتبار العمل أيضا محفزا لآليات الحماية الاجتماعية، ويستتبع هذا الحق حقوقا أخرى مترابطة، أهمها الحق في التنظيم و الانتماء و الحرية النقابية، وحقوقا أساسية أخرى نظمتها اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وأشار إلى بعضها الدستور المغربي كما أطرتها القوانين الوطنية خصوصا مدونة الشغل والقانون الأساسي الخاص بالوظيفة العمومية، حيث يسجل على المغرب استمرار رفضه المصادقة على اتفاقية العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بحق التنظيم والحرية النقابية، رغم أنها تعتبر إحدى الاتفاقيات الأساسية، ناهيك عن غياب إرادة فعلية للارتقاء بمستوى جهاز تفتيش الشغل، ومده بالآليات التي من شأنها أن تقوي من صلاحياته، وتجود تدخلاته لجعله أداة رادعة للمخالفين لتشريع الشغل، مما يؤثر على ارتفاع معدلات الشغل الناقص خاصة ما يتعلق بتدني مستويات الأجور، وعدم التصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والاستهتار بصحة وسلامة المأجورين، وضرب الحريات النقابية.
بالإضافة إلى ذلك يلاحظ إمعان الدولة المغربية، في اللجوء إلى أنماط جديدة من التشغيل تكرس الهشاشة في العمل من قبيل التشغيل المؤقت والمناولة، في غياب أي إجراءات حمائية للطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، ويمكن الإحالة في هذا الصدد على مذكرة العصبة بشان الحقوق الشغلية التي تتضمن تفصيلا حول الحقوق المترتبة عن الشغل، ناهيك عن استمرار التمييز بين فئات المأجورين من حيث الأجور والحماية الاجتماعية، وهو التمييز الذي يجد أكثر صوره في عمال الإنعاش الوطني.
- على مستوى الحق في الصحة:
يشكل الحق في الصحة، أحد أبرز الحقوق الاجتماعية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحق في الحياة باعتباره أسمى الحقوق، غير أن واقع هذا الحق في السياق المغربي يشهد تراجعا مهولا خاصة على مستوى قطاع الصحة العمومية، وهو ما يؤكد المعطى الوارد في السياق العام، والمتعلق بالتطبيع السياسي مع إشكال الفوارق الاجتماعية والذي يتجلى على مستوى الحق في الصحة، في تشجيع الاستثمار الخاص في مجال الصحة على حساب الاستثمار العمومي، الذي أضحى يتضاءل شيئا فشيئا، حيث بلغت نسبة أطباء القطاع العام إلى حدود سنة 2018، ما مجموعه طبيب واحد لكل 4260 مواطن، فيما بلغت نسبة الأطر شبه الطبية ما مجموعه إطار واحد لكل 1431 مواطن وهي أرقام بعيدة عن المعايير الدولية التي توصي على الأقل بطبيب واحد لكل 650 مواطن.
بالإضافة إلى ذلك، فإذا كان المضمون المعياري للحق في الصحة على مستوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يقتضي الحق في التمتع أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه وليس فقط الحق في الولوج إلى العلاج أو الخدمات الصحية، فإن الولوج إلى العلاج يصطدم في الواقع المغربي بإشكالات أخرى ترتبط بعدم تعميم التغطية الصحية التي لا تغطي إلى حدود اليوم سوى 62 بالمائة من المواطنين المغاربة.
- على مستوى الحق في السكن:
أكدت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال تعليقها العام رقم 4 لسنة 1991 على أن “الحق في السكن ينبغي ألا يفسر تفسيرا ضيقا أو تقييديا يجعله مساويا، على سبيل المثال، للمأوى الموفر للمرء بمجرد وجود سقف فوق رأسه، أو يعتبر المأوى على وجه الحصر سلعة، بل ينبغي النظر إلى هذا الحق باعتباره حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة”، فالحق في السكن يرتبط ارتباطا وثيقا بالكرامة الإنسانية، مع ما يترتب عن ذلك من التزامات بالضمان القانوني لشغل المسكن، وتوفير الخدمات والموارد والمرافق الأساسية، والقدرة على تحمل الكلفة، والصلاحية للسكن، وإتاحة إمكانية الحصول على السكن، والموقع الملائم.
فعلى الرغم من المجهودات المبذولة في مجال محاربة السكن غير اللائق، سواء ملا يتعلق ببرنامج مدن بدون صفيح، أو برامج السكن الاجتماعي، إلا أن أثر هذه العمليات لايكاد يذكر، بحيث يتم في كل مرة تفريخ عدد من الدواوير الصفيحية، كما يحدث بعمالة الصخيرات تمارة، ومدينة الدار البيضاء، وغيرها، وهو التفريخ الناتج بصفة مباشرة عن الفساد المستشري في هذا المجال.
- على مستوى الحق في التربية والتكوين:
لعل أبرز المؤشرات المتعلقة بالحق في التربية والتكوين والتي يمكن إبرازها من خلال هذه الوثيقة، تتعلق بشكل أساسي باتساع الهوة الطبقية داخل المنظومة التربوية، حيث التعليم العمومي، إلى جانب التعليم الخصوصي بالإضافة إلى تعليم البعثات الأجنبية، مما يكرس وضعا غير طبيعي يضرب في العمق مضمون المادتين 13 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي أكدت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال تعليقها العام رقم 13 على أن إمكانية الالتحاق الواردة في العهد يقصد منها على الخصوص عدم التمييز بين الفئات في الولوج إلى التعليم، حيث يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن الموسم الدراسي 2017-2018، قد شهد نسبة هدر مدرسي تبلغ حوالي 5,7 بالمائة على المستوى الوطني، فيما بلغت نسبة الأمية حوالي 38 بالمائة سنة 2014.
- منظومةالحماية الاجتماعية:
ماتزال مؤشرات الفقر والهشاشة تسجل مستويات مرتفعة بالمغرب، حيث تعتبر ما يزيد عن 50 بالمائة من الأسر المغربية نفسها فقيرة، بحسب التقرير الصادر عن المرصد الوطني للتنمية البشرية حول مؤشرات رصد التنمية البشرية 2012-2017، وذلك على الرغم من كل المجهودات والميزانيات المرصودة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وما يثير الاستغراب، أن مفهوم الحماية الاجتماعية بالمغرب، يعتبر مفهوما مطاطا، تختزله وزارة الشغل والإدماج المهني، في التأمين والضمان الاجتماعي، من خلال مديرية مركزية تحمل نفس الاسم، فيما تعتبرها توصية العمل الدولية رقم 202 بشأن أرضيات الحماية الاجتماعية، مفهوما شاملا لكل الإجراءات الواجبة على الدولة تجاه مختلف الفئات الاجتماعية، بما في ذلك، التأمينات الاجتماعية ضد المرض، والبطالة والشيخوخة والإعاقة وغير ذلك، معتبرة اياها وسيلة الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي هذا الصدد، يلاحظ أن الدولة المغربية أضحت تعمل على توسيع مفهوم الحماية الاجتماعية من خلال احداث كل من صندوق التكافل العائلي وصندوق دعم التماسك الاجتماعي، ناهيك عن اطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهي المبادرة التي تعتبر غير خاضعة لأي مراقبة برلمانية باعتبار أن تمويلها يتم من خلال صندوق خاص، مما يفتح المجال أمام التلاعب بالمشاريع، وعدم امكانية قياس اثرها الحقيقي لدى الفئات المستحقة.
وتجدر الإشارة أن اتساع مفهوم الحماية الاجتماعية وعدم ضبط المقصود منه في السياسات العمومية، يؤثر بشكل كبير على فعالية المشاريع الموجهة في هذا الإطار، ولا أدل على ذلك من وجود ما يزيد عن 100 برنامج للدعم والحماية الاجتماعية كما أكد على ذلك ملك البلاد من خلال خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2018، في غياب التنسيق بين هذه البرامج.
- الحق في بيئة سليمة وتنمية مستدامة:
على الرغم من التزامه بمقتضى النص الدستوري سواء من خلال الفصل 31 أو الفصل35، بالحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، واحتضانه مؤتمر قمة الأطراف 22، التي تم خلالها الشروع في أجرأة اتفاق باريس حول التغيرات المناخية، إلا أن جهود المغرب في مجال الحقوق البيئية، وتحقيق التنمية المستدامة ظلت جد متواضعة، وهو ما أكده المجلس الأعلى للحسابات من خلاله تقريره السنوي الأخير، الذي خصص جزءا منه تحت عنوان :مدى جاهزية المغرب لتنفيذ “أهداف التنمية المستدامة 2015-2030″، والذي أكد ضعف وتيرة التقائية الاستراتيجيات الوطنية الجارية مع خطة التنمية المستدامة لسنة 2030، وبالتركيز على الوضع البيئي بالمغرب باعتباره مكونا أساسيا من مكونات اهداف التنمية المستدامة خاصة في ظل ما يشهده العالم من تغيرات مناخية، يلاحظ أن جهود المغرب سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي تظل قاصرة، وغير مسايرة للأهداف المعلنة خاصة فيما يتعلق بتفعيل قانون الماء وتحرير الملك العام المائي، وضع سياسة عمومية واضحة فيما يتعلق بالساحل، عدم تحيين الإطار القانوني المنظم للمقالع وآبار الفحم.
التـوصيــــــــــــات
إن المؤتمر الوطني الثامن للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو يقدم وثيقته التي تعكس نظرة العصبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإنه يجدد التأكيد، على أن هذه الحقوق، ليست مجرد ترف وأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار والسلم الاجتماعي، ولا أدل على ذلك، من كون معظم الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة قد ارتبطت بشكل مباشر بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واعتبارا لذلك فإن العصبة تجدد توصياتها وفق التالي:
- أولوية الإصلاح الدستوري:
وهو المطلب الذي سبق التعبير عنه من خلال المؤتمرات السابقة للعصبة، والتي أكدت أن الصيغة التي جاءت في الفصل31 من الدستور المغربي الحالي، تعتبر صيغة تراجعية مقارنة بالصيغة التي كان يؤكد عليها دستور 1996، فيما يتعلق بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وهي الصيغة التي حولت التزام الدولة في هذا المجال، من التزام بتحقيق نتيجة إلى التزام ببذل عناية، مما يشكل تراجعا عن حقوق مكتسبة بنص الدستور، بالإضافة إلى ما تضمنه الفصل111من الدستور من منع صريح للقضاة من ممارسة العمل النقابي، بما يتناقض مع مقتضيات اتفاقية العمل الدولية رقم87 المتعلقة بالحرية النقابية، وهو ما أضحى يشكل حائلا دستوريا يقف أمام المصادقة على هذه الاتفاقية؛
- المصادقة على المواثيق الدولية ذات الصلة:
ويتعلق الأمر بشكل أساسي بالبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى اتفاقية العمل الدولية رقم87حول الحرية النقابية، ومجموعة من اتفاقيات العمل الدولية ذات الطابع التقني.
- الإصلاح المؤسساتي ومأسسة الحوار الاجتماعي:
على الرغم من توقيعها اتفاقا ثلاثي الأطراف إلى جانب المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، ما تزال الحكومة المغربية غير ملتزمة بمأسسة الحوار الاجتماعي، باعتباره المجال الذي يجب أن تمر من خلاله جميع القرارات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، طالما أن المنظمات النقابية للأجراء تعمل على الدفاع عن مصالح الفئات التي تمثلها.
- ملاءمة الإطار التشريعي الوطني:
ويتعلق الأمر بمجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بمجالات تندرج ضمن الحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية بالإضافة إلى الحقوق البيئية، ولاسيما الظهير المتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وما نتج عنه من مراسيم تتعلق بالفئات الخاصة مما يكرس التمييز بين موظفي القطاع العام سواء على مستوى الأجور والتعويضات، أو على مستوى نظام الترقي، بالإضافة إلى الظهير المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي والذي يتضمن تمييزات غير مفهومة بين فئات المأجورين زاد من حدتها صدور المرسوم المتعلق بتطبيق هذا النظام على فئة العاملات والعمال المنزليين، كما تجدر الإشارة أن ملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية يجب أن تشمل أيضا مجموعة من القوانين البيئية لاسيما ما يرتبط بمسألة الهواء ليشمل مقتضيات تتعلق بالمواجهة التشريعية لظاهرة التغيرات المناخية، والقانون المتعلق بالمقالع، والمناجم، وتفعيل قانون الماء.
- تفعيل اللاتمركز الإداري وتحقيق العدالة المجالية:
حيث لاشك أن الصلاحيات التي منحها الدستور للجهات باعتبارها جماعات ترابية، باتت بعد ثمان سنوات من تطبيق الدستور، مجرد إعلان نوايا، بحيث تم افراغها من محتواها بعد التماطل في تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري، وعدم تفعيل المقتضى الدستوري المتعلق بالتضامن بين الجهات مما أضحى يؤثر سلبا، فيما يتعلق بتحقيق العدالة المجالية، وهو التأثير الذي تظهر نتائجه بشكل مباشر في مجالات ترتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، سواء فيما يتعلق بتشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل، حيث تعاني بعض الجهات من انتشار الفقر والهشاشة الناتجة عن ارتفاع مؤشرات البطالة والشغل الناقص، كما تبرز أيضا على مستوى الحق في الصحة ، حيث تفتقر بعض الجهات إلى بنيات تحتية مؤهلة، ونقص حاد في الموارد البشرية بحيث أضحى يعتبر التعيين في هذه الجهات بمثابة عقوبات تأديبية للموظفين في مختلف القطاعات، وهو نفس الأمر الذي يمكن تسجيله على مستوى التعليم.
- احترام الهوية الوطنية، والتراث الثقافي:
ويتعلق الأمر أساسا باحترام اللغتين الرسميتين للمغرب، كما نص على ذلك الدستور، بحيث يلاحظ أن الإدارات المغربية لاسيما الوزارات التي لها ارتباط مباشر بالمجالات الاقتصادية، تتعامل فقط باللغة الفرنسية على حساب اللغتين العربية والأمازيغية، ناهيك عن التأخر في تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية على مستوى التعليم والقضاء والإدارة، وبالإضافة إلى ذلك تدعو العصبة إلى احترام التراث الوطني بشقيه المادي واللامادي، باعتبار أن تثمين التراث الوطني يساهم بشكل مباشر في التنمية المجالية خاصة في المناطق الجنوبية للمملكة.