جهات في الدولة انتقلت إلى السرعة القصوى في الانتقام من المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان
في هذا الحوار الذي أجراه موقع الجماعة نت مع الفاعل الحقوقي رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان الأستاذ عادل تشيكيطو، تشريح مفصل للواقع الحقوقي المغربي،ورصد لمكامن الاختلالات المتكاثرة، بلغة صريحة وتحليل كشّاف وموقف واضح
ندعكم مع هذا الحوار الذي أجراه الموقع بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان:
بداية أستاذ عادل وبالنظر للسياق الحقوقي القائم في المغرب، كيف تستقبلون اليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من دجنبر؟
اليوم العالمي لحقوق الإنسان يأتي هذه السنة في سياق دقيق جدا موسوم بالقلق واليأس والضبابية واللاأمل
فبالإضافة إلى تأثير كوفيد_19 على الأوضاع الحقوقية ببلادنا، نعيش منذ أكثر من سنتين هجوما عنيفا على المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيات والصحفيين الشرفاء والنشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث كثرت الاعتقالات والمتابعات والتشهير والمناوشات ضدهم، هذا بالإضافة إلى استهداف الحق في التنظيم، حيث أضحت القاعدة لدى السلطات هي المنع من التجمع والحرمان من وصولات إيداع الجمعيات ما يؤكد أن هذا الاستهداف أضحى منذ سنة 2014 ممنهجا
ما ملاحظاتكم الجوهرية داخل العصبة على أهم الاختلالات الحقوقية؟
نرى أن المعضلة الكبرى التي باتت تعرفها بلادنا خلال السنوات الأخيرة تتجلى في ضرب كل المكتسبات التي اعتقدنا أنها قد تحققت وأصبحت مكسبا للمغاربة، من ضمنها إعمال القانون وتفعيل الدستور خاصة مقتضيات الباب الثاني التي تتضمن مجموعة من الحقوق،والتي رغم ملاحظاتنا حولها إلا أنها تبقى في نظرنا طفرة دستورية نستشرف من خلالها التقدم نحو تحقيق مكتسبات جديدة في مجال حقوق الإنسان
مع الأسف بعض أجهزة الدولة نجحت في خلق شرخ وهوة واسعة القطر بين ما هو مكتوب من التزامات دستورية وقانونية واتفاقيات ومواثيق دولية وبين ممارسة نكوصية استطاعت أن تجعل من الاستثناء قاعدة
تميزت هذه السنة بتداعيات مواجهة جائحة كورونا التي فرضت نفسها على الجميع، هل ترون أن الدولة أخذت البعد الحقوقي في الاعتبار وهي تضع حالة للطوارئ بما واكبها من تضييقات على حريات مختلفة؟
لا أبدا، الحس الحقوقي كان غائبا بشكل بالغ خلال الجائحة، فبالنظر إلى مضمون المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ، يبدو أن المحطات والإجراءات التي بلورها المغرب في مواجهة الجائحة، لم تستحضر المكتسبات التي حققها في مجال حقوق الإنسان خلال العقدين الأخيرين، وهذا ما يجعلنا نصل إلى خلاصة مفادها أن الإرادة السياسية المصاحبة لإجراءات فرض حالة الطوارئ، غيبت بشكل مقصود كل تلك الدروس الحقوقية التي يمكن أن نستنبطها من هذه التجربة، وهو ما أدى إلى إهدار الزمن فيما يتعلق بمسألة معالجة الاختلالات وكسب التحديات التي برزت في خضمها، والفشل في التوفيق بين الحفاظ على الأمن بمعناه الشامل، واحترام حقوق الإنسان، وبلورة السياسات العمومية لذلك، بما يحقق النمو الديمقراطي ودولة الكرامة والقانون
لقد اعتمد المغرب مقاربة أمنية صرفة خلال هذه الفترة، جعلته يزيغ عن الأهداف الأساسية المتوخاة والمتمثلة في حماية صحة وأمن المواطن والمجتمع
بكل أسى أؤكد لك أن الواقع لا يرتفع، الواقع لا يكذب، فالاختلالات التي عشنا أطوارها نالت من التوجه العام الذي أقصى عن سبق إصرار وترصد انخراط عموم المواطنين، وتعبئة إمكانيات الدولة، وتضامن مختلف الفاعلين والفئات
يرى باحثون ومتتبعون أن السلطة تجاوزت “حالة الضرورة” وهي تنتقص عددا من الحقوق، لتطال حقوقا اجتماعية وسياسية أساسية، بما أوحى أنها استغلت ظرف الجائحة وحالة الطوارئ لترسيخ التغول السلطوي الذي تجسد خاصة في تضخم أدوار وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية؟
صحيح، وهذا ما أتيت على شرحه قبل قليل، فالدولة سقطت في فخ الهاجس الأمني وبالغت في التعاطي مع زمن الجائحة بمقاربة سلطوية تجسدت في سلوكات ظهرت بوادرها في استعمال الكف لإخضاع عامة الناس بالالتزام بحالة الطوارئ، واعتقال مواطنين لمجرد مخالفة بعضهم عن غير وعي لمقتضيات قانون الطوارئ، وتأكد أن نية بعض المسؤولين غارقة في أساليب تستعمل من خلالها الظرفية كمطية لتوطين القمع، وأظنك تتذكر كما باقي المواطنين أن هناك جهات حكومية حاولت تقنين القمع والاستبداد بسلكها لمسطرة التشريع ومحاولة تمرير ما سمي ب”قانون الكمامة” أو قانون 20.02.
ينضاف هذا إلى أن التدابير الاجتماعية لم ترق إلى مستوى تتجاوز عبره الوضعية الاجتماعية التي بات يعيشها معظم المغاربة، حيث مازالت فئة عريضة منهم تعيش أزمات معيشية بسبب إخفاق الحكومة في إيجاد حلول حقيقية لأزماتهم ولإفلاس شريحة عريضة منهم، هذا دون أن نفصل في حالات اجتماعية أخرى طردت من عملها وأهضمت حقوقها، وأخرى ضاعت مصالحها بسبب الشهور التي قضتها في دول أخرى عندما أغلقت الحكومة الحدود وحولت أكثر من 30 ألف مغربي إلى مواطنين عالقين في دول أجنبية…
في هذا السياق، كيف تلقيتم المتابعات والمحاكمات التي مست حقوقيين وإعلاميين وناشطين… (الريسوني، الراضي، منجيب، معتقلو بني تيجيت وجرادة…)؟
أول ملاحظة يمكن أبديها في هذا السياق أن جل المعتقلين، سواء من ذكرت أسماءهم أو آخرين لا يتسع المجال لاستحضار ألقابهم، بينهم قاسم مشترك يتجلى في تعبيرهم عن آرائهم في قضايا مختلفة، فتمت متابعتهم بتهم خيالية، لا أريد أن أفصل في جوانبها حتى لا نتهم بتأثيرنا على القضاء، مع العلم أننا نعيش في بلد يؤكد دستوره في الفصل 25 أن الحق في التعبير و الرأي مكفول دستوريا، وأيضا تشدد المواثيق الدولية كالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على ضرورة حماية الدول الموقعة عليها للحق في التعبير والرأي.
يسجل تنامي توظيف التلصص على الحياة الخاصة من أجل “الاغتيال المعنوي” لعدد من المعارضين، وحشد أدوات إعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل التشويه. كيف تنظرون إلى هذا الانحذار الخطير؟
بتنا نعيش بين عصابات استولت على كل شيء بما في ذلك الاعلام، هذا الجيل المخصب من بعض الإعلاميين أو لنقل ممن نسبوا عنوة إلى الجسم الصحفي والإعلامي، تم تخصيبه للقيام بأدوار خسيسة لا يمكن أن يقوم بها الشرفاء الكثر الذين يمارسون مهنة المتاعب في احترام تام لأخلاقية المهنة والذين يتم تهميشهم بشكل مقصود.
لقد اتضح بالملموس أننا نعيش فترة عصيبة في تاريخ بلادنا انتقلت فيها جهات بعينها إلى السرعة القصوى في الانتقام من المعارضين والمدافعين عن حقوق الانسان والصحافيين،استعملت أساليب مقيتة لم نشهد لها مثيلا حتى في سنوات الرصاص، وأضحى الاغتيال المعنوي لهؤلاء أسلوبا ممنهجا تتخذه جهات لترهيبهم وإسكاتهم، ومع الأسف استعمل حتى القضاء في هذه العملية، حيث بتنا نعرف مسبقا ما سيقع لكل من حرك لسانه بالحق أو الرأي، فإما تتم متابعته بتهم جنسية أو تنشر صورة في أوضاع حميمية حتى يتم إنهاكه والنيل من اعتباره الشخصي
ما الخطوات المستعجلة من جهة والتأسيسية الاستراتيجية من جهة ثانية التي ترونها ضرورية لإصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية والحقوقية في المغرب؟
نعتقد أنه لا مجال للحديث عن خطوات مستعجلة أو تأسيسية لإصلاح الأوضاع ولا طريق لذلك سوى عبر تفعيل مقتضيات الدستور خصوصا الباب الثاني منه، والالتزام بمقومات ومبادئ حقوق الإنسان خاصة تلك المرتبطة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي التزم المغرب بها، وقبل كل ذلك إعلان حسن النية عبر الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والمطالبين بالحقوق مع الاعتذار لهم بشكل رسمي وللشعب المغربي.
ما الدور المطلوب من الفاعلين والهيئات الحقوقية لترسيخ الحقوق والانتقال بالمغرب إلى حالة الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان المنشودة؟
لابد أن نؤكد هنا أن المنظمات الحقوقية أمست مغلوب على أمرها ولم تعد بالقوة التي كانت عليها من قبل بسبب هجمات الازدراء التي تتعرض لها من قبل خدام الاستبداد، وبفعل التشتت الذي وقعت ضحية له، فالمطلوب اليوم في إطار النقد الذاتي أن نعيد كمنظمات حقوقية ترتيب أورقنا والاتحاد على طاولة تعاقدية تستحضر مصلحة الوطن وحقوق المواطن، كما لا يفوتني أن أشير إلى أن النخب المثقفة ملزمة كذلك بالاستيقاظ من قيلولتها وممارسة أدوارها في التأطير والتوجيه والتوعية والتنظير.