بيان العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للبيئة
البيئة حقّ إنساني وأولوية وطنية: من أجل عدالة بيئية تحمي كرامة المواطن والمجال
في اليوم العالمي للبيئة، الذي يُحتفى به عبر العالم في الخامس من يونيو من كل سنة، تذكّر العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن قضايا البيئة لم تعد ترفاً سياسياً أو خطاباً إنشائياً يُستدعى في المناسبات، بل أضحت جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحقوق الأساسية، باعتبارها شرطاً وجودياً لضمان الحياة الكريمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وصون كرامة الأفراد والشعوب.
إن البيئة ليست مجرد فضاء طبيعي صامت، بل هي حقّ أصيل من حقوق الإنسان، مرتبط بالحق في الحياة، والصحة، والماء، والغذاء، والسكن، والتنمية المستدامة. وضمن هذا الإطار، فإن العصبة تُعبّر عن بالغ قلقها إزاء الوضع البيئي المقلق في المغرب، الذي يزداد تفاقماً بفعل سياسات عمومية غير مندمجة، وضعف آليات المراقبة والزجر، وانتشار التلوّث الصناعي والعمراني، والتدبير العشوائي للنفايات، وتدهور الغطاء الغابوي، وشُحّ الموارد المائية، فضلاً عن ارتفاع منسوب التغيرات المناخية وآثارها الكارثية على الفئات الهشة، خاصة في العالم القروي والمناطق الجبلية والصحراوية.
لقد أصبحت العديد من المناطق المغربية فضاءات ملوثة وغير صالحة للحياة الآدمية، في ظلّ التوسع الإسمنتي العشوائي، وضعف البنية التحتية البيئية، وتدهور جودة الهواء والماء، وتقلص الأراضي الزراعية بفعل الزحف العمراني أو الاستغلال غير الرشيد للموارد الطبيعية. وتُسجل العصبة، بأسف كبير، أن هذه الأوضاع لا تنعكس فقط على الطبيعة، بل على الإنسان المغربي الذي يتحمل كلفة بيئية واجتماعية واقتصادية باهظة، دون أن تُوفر له الدولة الحد الأدنى من الحماية القانونية والمؤسساتية في هذا المجال.
وإذ تُنوّه العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان ببعض المجهودات الرسمية والمدنية المبذولة في مجالات حماية البيئة وتوعية المواطنين، فإنها تؤكد أن هذه الجهود لا ترقى إلى مستوى التحديات المطروحة، وتبقى مجزأة ومحدودة النجاعة في غياب إرادة سياسية واضحة، وتخطيط استراتيجي بيئي مُندمج، يربط بين العدالة البيئية والعدالة الاجتماعية.
وبهذه المناسبة، تدعو العصبة إلى:
1. دسترة الحق في البيئة السليمة بشكل صريح وواضح، وإعطائه القيمة الدستورية التي يستحقها باعتباره حقاً من حقوق الإنسان.
2. إصلاح المنظومة التشريعية البيئية بما يضمن تقويتها، وتجويد آليات تفعيلها، وتحصينها من التواطؤات والمصالح الضيقة.
3. تعزيز دور القضاء البيئي، وإنشاء محاكم متخصصة في قضايا البيئة، وتكوين القضاة في هذا المجال لضمان ولوج المواطنين إلى العدالة البيئية.
4. وضع سياسات عمومية بيئية تشاركية، تنطلق من حاجيات المواطنين، وتراعي خصوصيات المجالات الترابية، وتدمج البعد البيئي في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.
5. تمكين المجتمع المدني من وسائل الرصد والتتبع، عبر تيسير الولوج إلى المعلومة البيئية، واحترام حق المواطنين في التبليغ والمساءلة البيئية دون مضايقة أو قمع.
6. تبنّي النموذج التنموي القائم على مبادئ الاستدامة والعدالة المناخية، خاصة في ما يتعلق باستعمال الطاقات المتجددة، وتثمين النفايات، وحماية التنوع البيولوجي.
7. إدماج الثقافة البيئية في المناهج الدراسية والإعلام العمومي، لتكوين جيل واعٍ بحقوقه البيئية وقادر على الدفاع عنها.
8. مراجعة نموذج تدبير الماء والغابات والمقالع والمناجم، وتطهيره من الفساد، وضمان الشفافية في منح التراخيص ومراقبة التنفيذ.
إن حماية البيئة ليست مسؤولية تقنية أو قطاعية، بل هي واجب وطني وحقوقي، يجب أن يشترك فيه الجميع: الدولة، والجماعات الترابية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمواطنون. فإما أن نُعيد التوازن بين الإنسان والطبيعة، أو نستمر في مسار التدمير الذاتي، ونُفرّط في حقّ الأجيال القادمة في وطن قابل للحياة.
ختاماً، تجدّد العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان التزامها بالدفاع عن الحقوق البيئية للمواطنين، واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من منظومة كونية للكرامة والحرية والعدالة.