أجندة و متابعات

خمس سنوات على “احتجاجات الريف” بالمغرب.. الحراك تراجع وآمال بطي صفحة المعتقلين

تحل اليوم الخميس الذكرى الخامسة لاندلاع “حراك الريف” في المغرب، والذي يبقى من الملفات الشائكة والمعقدة في البلاد، بكل تداعياته الحقوقية والمدنية، سواء من طرف الدولة، أو جراء تعدد المتدخلين فيه وتنوعهم من هيئات ولجان محلية ووطنية ودولية تعبر عن المعتقلين وأسرهم أمام الدولة وأجهزتها الرسمية.

وتأتي الذكرى الخامسة للحراك هذه السنة في ظل تطورات عدة عاشها الملف من أبرزها، مساهمة الجهود التي بذلت والإشارات التي توالت طوال الأشهر الماضية من قبل معتقلين سابقين وحتى من قائد الحراك ناصر الزفزافي حول إمكانية طي الملف، بعد إطلاق 17 معتقلًا خلال عفو ملكي بمناسبة حلول عيد الفطر الأخير.

ورغم معانقة المزيد من المعتقلين للحرية من باب العفو الملكي، إلا أن إطلاق سراح ما تبقى من معتقلين، وعلى رأسهم قائد الحراك يبقى إلى حد الساعة من المطالب الرئيسة التي يرفعها حقوقيون وجمعية عائلات المعتقلين، وذلك بهدف تحقيق تقدّم في مسار حلحلة الملف.

وفي وقت عرف فيه “حراك الريف” انحسارا وتراجعا في السنوات الأخيرة لأسباب عدة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، شهد الحراك في عامه الرابع استمرار عوامل التآكل من الداخل، وهو ما ظهر جليا في 22 إبريل/ نيسان الماضي، حينما أعلن الزفزافي عن “تنحيه عن مسؤوليته” داخل الحراك، في إشارة تعكس حجم الأزمة والخلافات التي تعيش على إيقاعها العلاقات بين عائلات المعتقلين والتي وصلت إلى حد “التخوين” وتبادل الاتهامات.

المغرب: محكمة النقض ترفض مراجعة الأحكام الصادرة ضد معتقلي حراك الريف

و على الرغم من أن الدولة ما زالت تتحكم في الملف بشكل كامل، وتصرف مواقفها بنحو متدرج حسب ردود الفعل، وتأكيدها على تكريس هيبتها وإبراز عدم خضوعها للمطالب والضغوط، إلا أن حراك الريف أكد في عامه الرابع أن ملفه هو “ملف سياسي” وأن حله لن يكون إلا سياسيًا عبر آلية العفو.

وكانت محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في المغرب) قد رفضت في 25 يونيو/ حزيران الماضي، طلب مراجعة الأحكام الصادرة في حق 42 معتقلاً على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها منطقة الحسيمة بين خريف 2016 وصيف 2017.

وفي ظل ما انتهى إليه حراك الريف بعد 5 سنوات على اندلاعه، يرى الناشط الحقوقي خالد البكاري، أن “الدولة نجحت أمنيا في إخماد جذوة الحراك مرحليا، كما نجحت سياسيا في جعل مطالبه وتداعياته تكاد تغيب من النقاش السياسي”.

ولفت الناشط الحقوقي في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إلى أن الأسباب الحقيقية لتفجر الحراك لم تحل على المستوى الاستراتيجي، مشيرًا إلى أنه قد يعود سواء في منطقة الريف أو في مناطق أخرى ذات خصوصيات جهوية وثقافية واجتماعية مسنودة بمظالم تاريخية.

ويرى الناشط الحقوقي، أن “الدولة تحتاج إلى تغيير بنيتها وأنساقها في اتجاه اعتماد المداخل الحقوقية والاجتماعية والثقافية لمواجهة التحديات الاجتماعية في عمقها وليس مظاهرها”، ويضيف أن “حراك الريف يبدو للمراقب أنه انتهى واختزل إلى مطالبات متفرقة بالإفراج عما تبقى من معتقليه، لكن توجد طبقات من الإشكالات التي كانت قد برزت مع الحراك قبل تراجعها إلى موقعها مؤقتا في انتظار فرصة أخرى للبروز قد تكون أشد من الحراك الأول”.

وبحسب البكاري فإن “من أبرز تلك الإشكالات: العلاقة المتأزمة تاريخيا بين المركز ومنطقة الريف، والتي لها امتدادات نفسية وليس سياسية فقط، وإشكال العدالة المجالية، وإشكال الجهوية التي لم تحترم أثناء تنزيلها لا تمتيع الجهات بصلاحيات حقيقية لتدبير المجال ذاتيا، ولا تقسيم الجهات بمراعاة الخصوصيات التاريخية والثقافية والسوسيومجالية”.

المغرب: الزفزافي يعلن تنحيه عن قيادة حراك الريف

من جهته، يؤكد رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان (أعرق تنظيم حقوقي مستقل في المغرب)عادل تشيكيطو، في تصريحات لـ”العربي الجديد “، أن “حراك الريف هو فكرة، وأن الفكرة لا تموت”، لافتا إلى وجود “جملة من المطالب الاجتماعية، والمشاكل التي أفرزت تلك المطالب”، مشيرًا إلى أنها ما زالت قائمة وأن البعض منها يتفاقم.

وبحسب تشيكيطو فإن “قصة حراك الريف لن تنتهي ولو حاول البعض طمس معالمها وقبر مطالبها، إلا بتحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمحتجين، وبالاعتذار عن كل تلك الانتهاكات التي مورست في حق سكان المنطقة، وبمحاكمة المتورطين وإطلاق سراح وجبر ضرر المعتقلين وعائلاتهم”.

وشكل مصرع بائع للسمك يدعى محسن فكري مسحوقاً داخل شاحنة للقمامة كان قد صعد إليها لاسترداد بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، الشرارة الأولى لاندلاع حراك الريف، بعد أن نظم شباب غاضبون وقفة احتجاجية دفعت محافظ الإقليم ومسؤولا قضائيا بارزا إلى النزول للشارع من أجل التفاوض معهم.

ومنذ تلك الليلة، عمّت الاحتجاجات مدينة الحسيمة ومناطق مجاورة لها، لتتحول من مطلب محاكمة المتسببين الحقيقيين في مصرع بائع السمك، إلى مطالب أكبر وأشمل، تتضمّن رفع التهميش وما يسمّى العسكرة الأمنية عن الحسيمة، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والتشغيل.

وعرفت الاحتجاجات لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة، حيث شهدت المدينة تظاهرات ومواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين، أبرزهم ناصر الزفزافي، وذلك قبل أن تخف حدة هذه الاحتجاجات.

وبعد احتجاجات الريف، أقال العاهل المغربي الملك محمد السادس، 3 وزراء وعددا من المسؤولين، لعدم إحراز تقدّم في خطة التنمية. وفي يونيو/ حزيران 2018، قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بإدانة الزفزافي و3 آخرين، هم سمير ايغيد، ونبيل أحمجيق، ووسيم البوستاتي، بالسجن لمدة 20 عاماً، وذلك بعد اتهامهم بـ”المساس بالسلامة الداخلية للمملكة”.

كما قضت بحبس نشطاء آخرين لمدة تراوحت بين عام واحد و15 سنة، فيما قضت بالسجن 3 سنوات مع النفاذ في حق رئيس تحرير موقع “بديل أنفو” الصحافي حميد المهداوي، بتهمة “عدم التبليغ عن جريمة تهدد سلامة الدولة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى