نحن في الصحافة

لقاء حواري : تشكيطو – لا ضرورة لاستمرار العلاقات مع كيان مجرم يواصل القتل والتدمير

– حاوره: عبد العزيز بنعبو 

إذا كانت الدموع تنهمر والصرخات تدوي هناك في قطاع غزة، فإن صداها يتردد بألم في المغرب، ولا يمر يوم دون أن يكون للمغاربة موقف متجدد ومتواصل دعما ومساندة للشعب الفلسطيني في محنته الحالية التي يجتازها بصبر وجلد وقوة.
تتعدد أوجه ذلك التضامن ويتخذ شكلا عفويا باستمرار هو المسيرات التضامنية والوقفات الاحتجاجية ضد جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلية في حق شعب أعزل لا يطلب سوى العدالة والسلام والحرية ودولة مستقلة.
عادل تشكيطو أحد الوجوه السياسية المغربية الشابة، فهو برلماني سابق، وحاليا يشغل منصب رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان. في حديثه لـ”القدس العربي” أكد أن المقاومة الفلسطينية “أصرت على تذكيرنا بواجبنا وألحت على أن يعيد العالم والتاريخ ترتيب أورق القضية الفلسطينية” كما “جاءت أحداث (طوفان الأقصى) في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 لتزلزل هذا الركود، وتعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وتدفعها دفعا إلى وعي الرأي العام بعدالتها”.
السياسي المغربي في حواره مع “القدس العربي” تجول عبر بقاع القضية ومستجداتها لما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكانت البداية مع حلول اليوم الدولي لمساندة الكفاح الفلسطيني الذي أقرته الأمم المتحدة، في خضم حرب غير متكافئة وغير عادلة ووحشية تخوضها قوات مدججة بكل أنواع الأسلحة ضد شعب سلاحه الوحيد الإيمان بعدالة قضيته وحب الأرض.
الحوار التالي مع عادل تشكيطو، يستعرض يوميات التضامن المغربي، ويقرأ الأحداث ويستنطق الوقائع ويستشرف الآفاق المرتقبة التي ستكون عليها القضية الفلسطينية، ويختم بقوله “النصر قادم بإذن الله خاصة بعد خروج مجموعة من الدول المحترمة لإدانة إسرائيل ومقاطعتها” المزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:

في خضم ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من بشاعة وفظاعة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية، نسألك بداية كيف مر اليوم الدولي لمساندة الكفاح الفلسطيني مع المتغيرات المؤلمة حاليا؟
• اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني كان يوما حافلا بالأنشطة والتظاهرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، فقد خرج كالعادة مئات آلاف المغاربة للساحات العمومية من أجل التأكيد على دعمهم للقضية الفلسطينية، وتنديدها بالاعتداءات الصهيونية ومطالبتهم المنتظم الدولي بالتدخل العاجل لوقف العدوان على غزة.
كما شهدت مجموعة من القاعات العمومية المغربية في عدد من المدن تنظيم مهرجانات خطابية شاركت فيها منظمات وأحزاب سياسية ونقابات، كان أبرزها المهرجان الخطابي الذي نظم في العاصمة الرباط بتنسيق بين السفارة الفلسطينية والجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وبرعاية أحزاب وطنية.

الذاكرة الجمعية

•هل فعلا تمكنت فلسطين من استرجاع مكانتها كقضية كونية لآخر مستعمرة في العالم الحديث، رغم الخسارة الثقيلة في الأرواح؟
•دعنا أولا نشدد على حقيقة، فكرة، اجتمع حولها المتتبعون للقضية الفلسطينية، وهي أنها، قبل انطلاق عملية (طوفان الأقصى) لم تعد تعنى بنفس العناية التي كانت تحظى بها في السابق، وأن هذه القضية كانت قد أدخلت بسبب مجموعة من العوامل إلى غرفة الإنعاش، حتى أننا بتنا نخاف أن تقبر وتضيع دماء الشهداء سدىً، ولا عزاء لنا بعد ذلك.
تعددت الظروف المساعدة على نسيان القضية الفلسطينية، وخفوت وهج الدعم الشعبي، وقد ساهم في تراجع الدعم الشعبي، تغول الهم الداخلي لكل دولة، واندلاع صراعات أخرى في المنطقة وصعود أجندات سياسية متواطئة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني، وبروز الجماعات الإرهابية بمناطق مختلفة فوق التراب العربي… إلى غير ذلك من المشاكل التي طفت على السطح وأنستنا القضية المحورية لدى الشعوب، وخرفت الذاكرة الجمعية المرتبطة بها إلى درجة نسينا فيها أو أريد لنا أن ننسى أننا مجبولون بواجب توريثها لأبنائنا، فكدنا أن نجسد المقولة الشهيرة والمنسوبة إلى بن غوريون والتي تقول: “يموت الكبار وينسى الصغار”.
لكن المقاومة أصرت على تذكرنا بواجبنا وألحت على أن يعيد العالم والتاريخ ترتيب أورق القضية الفلسطينية، وجاءت أحداث “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 لتزلزل هذا الركود، وتعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وتدفعها دفعا إلى وعي الرأي العام بعدالتها، وبوحشية إسرائيل ومن يساندها من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
•كيف حضرت فلسطين تاريخيا واجتماعيا لدى المغاربة على مر السنوات والقرون؟
• بقيت القضية الفلسطينية على مر السنين واحدة من ثوابت الأمة، وظلت حاضرة على مر العصور في الوجدان المغربي، وجسد هذا الاهتمام تفرد الشعب المغربي والدولة كذلك بمواقف لا تخفت شعلتها بل تزداد وهجا في كل حين، وظل الشعب مساندا مؤازرا لإخوانه الفلسطينيين، كما استمرت السياسة الخارجية للمملكة، والعمل السياسي والدبلوماسي وكذا الإنساني، للمغرب بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل نصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، سيرا على نهج أبيه الراحل الحسن الثاني، وجده الراحل محمد الخامس.
قد يتساءل البعض لماذا هذا الاهتمام البالغ بفلسطين من قبل المغاربة؟ ولماذا هذا التفرد والتميز في الدعم والتضامن؟ لكنهم سرعان ما سيجدون طريقهم إلى الأجوبة الشافية إذا ما علموا أن فلسطين ليست مجرد قضية لدى المغاربة، إنما هي ارتباط تاريخي لشعبين فرقتهما الجغرافية ووحدتهما الأخوة والروابط التاريخية، والتي نذكر منها، على سبيل المثال، رحلات الحج إلى مكة، حيث كان الحاج المغربي عندما يذهب إلى الحج لا يعتبر حجه كاملا إلا إذا زار القدس والخليل، ويقال عنه حاج قدّس وخلّل، مرورا بطلب العلم في القدس، ووصولا إلى الجهاد ضد الصليبيين والحركة الصهيونية، ثم إن تجوال السائل في القدس الشريف، وبحثه عن مغاربة فلسطين، لن يكون ضربا من الحذلقة المجازية، فاسم المغاربة هناك مكتوب بحروف التاريخ، عند مدخل القدس بوابة فلسطين، وعبر حي المغاربة، أو أوقاف المغاربة المجاورة لحائط البُراق.
إن هذه الومضة النوستالجية، المومى لها، إنما تفسر لمن أراد تفسيرا سيكولوجيا أو سوسيولوجيا للتضامن الاستثنائي المغربي مع القضية الفلسطينية، إنما هي تأكيد على أنها تحتل مكانة عالية في الوجدان المغربي إلى جانب القضية الوطنية أي الوحدة الترابية.
لقد تميز المغرب بدعم الشعب الفلسطيني ملوكا وشعبا، وسجل بمداد الفخر جهاده وانتصاره لفلسطين والقدس ووحدة الشعب في الاستقلال والعودة لأراضيه المغتصبة.
ومن تجليات المساندة الدائمة والمستمرة، ما لامسناه خلال الماضي من السنوات وخلال الأيام الأخيرة من تضامن ودعم ومساندة وضغط ومواجهة للصهيونية في الشوارع وفي الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي. كما لا يجب أن نقفز، في إطار استحضارنا لمظاهر الدعم والتضامن، على المواقف الشجاعة لقيادة البلاد خلال العديد من المناسبات والأحداث، سواء كانت هذه المواقف، أقوالا تتجسد في البلاغات والخطابات الرسمية، أو ممارسة، تتمثل في مجهودات يبذلها ملك البلاد على مستوى رئاسة لجنة القدس، والإشراف على وكالة بيت مال القدس الشريف، التي جسد عبرها التضامن المطلق للمغرب، مع فلسطين، من خلال مشاريعها ومبادراتها الميدانية تجاه المقدسيين.
• ما تقييمك لتفاعل الأحزاب السياسية المغربية مع العدوان الحالي على غزة؟
• على عكس من يروجون لشائعة تراجع الأحزاب السياسية المغربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، فإنني أؤكد أن أحزابنا بقيت مستمرة في دعمها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني، لكن في الوقت نفسه أؤكد أن فعل المبادرة في عملية التضامن سحب من الأحزاب وتولت قيادتها شبكات جمعوية تضم منظمات ونقابات وأحزابا سياسية، ثم لزم أن أشير إلى أن الظاهرة الحزبية في المغرب وكما في البلدان العربية الأخرى، لم تعد تحظ بنفس القيمة مجتمعيا مما جعلها غير مبادرة في رزمة من القضايا الداخلية والخارجية.
• هل تنسقون مع المجتمع المدني لتشكيل موقف موحد في الموضوع؟
• طبعا تنسيقنا مع باقي الجمعيات خاصة الحقوقية أو المتخصصة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، متواصل حتى قبل السابع من أكتوبر، حيث نجتمع أسبوعيا ضمن تنسيقيات أو ائتلافات وطنية لتسطير برامج نضالية على مدار السنة وتفعيلها على أرض الواقع.
وهنا لابد أن أستحضر مثلا العمل المحترم الذي تقوم به الجبهة المغربية لمناهضة التطبيع وأيضا المجموعة الوطنية من أجل فلسطين على المستوى الميداني، من تعبئة ومواكبة لكافة التطورات، وتفاعل فوري معها.

قرار صعب لكنه ليس مستحيلا

• وهل تجد دعوة الدولة المغربية إلى إلغاء التطبيع مع إسرائيل دعوة موضوعية عمليا؟
• هي دعوة موضوعية عمليا، ما دام قرار اتخاذها مسنود إلى الدولة، وما دامت دولتنا ذات سيادة ولها من القوة ما يمكنها من التراجع وقت ما شاءت.
صحيح أن القرار صعب، لكنه ليس مستحيلا، ونعتقد نحن كمنظمات حقوقية ورأي عام وطني أن قرار تجديد العلاقات مع إسرائيل لا طائل منه، ولن نستفيد منه كثيرا، بالنظر إلى مجموعة من المعطيات، منها أن المغرب أضحى قويا على المستوى السيادي، وأصبحت قراراته وتوجهاته محددا أساسيا على المستوى الدولي، كما أن الكاريزما الدبلوماسية التي بات يتميز بها بلدنا مكنته من تحقيق مجموعة من الانتصارات خاصة في قضية الصحراء المغربية، ولم يكن محتاجا حينها لا إلى إسرائيل ولا إلى دعمها المغشوش.
قد تكون نظرة المطالبين بوقف ما يسمى بالتطبيع قاصرة، وقد تكون للدولة اعتبارات تتجاوز حدود رؤية العامة من الناس، لكن المعطيات المتوفرة لدى المطالبين بوقف العلاقات مع الكيان تؤكد أنه لا ضرورة لاستمرار العلاقات مع كيان مجرم يواصل القتل والتدمير والاختطاف في حق إخواننا في فلسطين.
• ما هو تقييمكم للموقف الرسمي العربي من الموضوع خاصة في ظل النبض الشعبي الجارف؟
• أعتبر أن الموقف العربي المحتشم لا يعبر بتاتا عن نبض الشارع العربي، وأن بيانات الأنظمة العربية ومواقفها شجعت إسرائيل على الاستمرار في العدوان على غزة ودفعتها إلى ممارسة ساديتها، والتعبير بشكل صريح وميداني عن عقيدتها الوحشية، فلو استعملت الأنظمة العربية مجتمعةً أو عبر مبادرات فردية ضغطها وقوتها، أو هددت بوقف المعاملات التجارية والاقتصادية، على سبيل التحديد، لكنا اليوم في موقع قوة ولفرض على إسرائيل وقف إطلاق النار بشروط تضمن للفلسطينيين حقوقهم.

البروباغندا الصهيونية

•الكثيرون في العالم الغربي تغيرت نظرتهم إلى الحرب الحالية على غزة، لا سيما لدى سياسيين وفنانين وإعلاميين ومدونين، إلى ماذا يرجع ذلك في اعتقادك؟
• لقد سقطوا في فخ البروباغندا الإسرائيلية، وصدقوا ما تم ترويجه من أكاذيب بخصوص عملية “طوفان الأقصى” وانجرفوا وراء أكاذيب وأخبار مضللة حتى بات البعض منهم يعتبر المقاومة بشكل عام عملا إرهابيا وجب الرد عليه. لكن بعدما تبددت تلك الأضاليل، وتلجلج الحق، استفاق هؤلاء من عملية التنويم المغناطيسي الذي مارسته عليهم الآلة الدعائية الصهيونية، فوجدوا أنفسهم أمام حقيقتين، الأولى أنهم صدقوا الكذب والثانية أنهم تخلوا عن شعب يذبح صباح مساء من قبل إسرائيل، وجدوا أنفسهم أمام معطى يفيد أن الأعمال الإجرامية التي تستدعي الوقوف إلى جانب إسرائيل ودعمها، لم تكن حقيقية وأنها هي من تمارسها في قطاع غزة.
ما وقع من تدليس وتضليل، وبعده من بروز للحقيقة، في صالح القضية الفلسطينية وضد إسرائيل، لأن من ضُللوا فهموا أن إسرائيل نظام عنصري، كاذب، مجرم، يستوجب الوقوف أمام وجهه لفضحه والضغط على العالم لمحاسبته على جرائمه.
• ما هي الخطوات النضالية الإضافية التي يمكن أن يتخذها شكل التضامن والدعم للقضية الفلسطينية؟
• يبدو أننا استنفدنا كمجتمع مدني على الصعيد الوطني والعربي كافة وسائل التضامن مع الشعب الفلسطيني، والإدانة في حق الكيان الصهيوني، وبات من المستعجل التفكير في وسائل أكثر جرأة لمواجهة الجريمة الإسرائيلية.
من المفترض أن تنسق كافة المنظمات الحقوقية والفاعلين في الميدان من أجل رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية واعتبار قادة إسرائيل مجرمي حرب، ولمَ لا استصدار قرارات قضائية على المستويات الوطنية والدولية تدين أفعال إسرائيل، والدفع نحو وضع أسماء زعماء صهيون ضمن قائمة الإرهاب وقائمة المبحوث عنهم دوليا.

النصر قادم

• وفي رأيك كسياسي مغربي، هل يمكن الحديث عن ضوء في نهاية نفق الحرب والتقتيل الذي يمر منه الشعب الفلسطيني؟
• كلنا على يقين أن فلسطين من ستنتصر في نهاية الحكاية، وأن إسرائيل سوف تجثو على ركبتيها صاغرة مذلولة، خاصة بعد أن أبدت المقاومة عن شجاعتها وجاهزيتها لمجابهة أقوى جيوش العالم بدباباتها وبوارجها وطائرتها.
إسرائيل التي كانت تهدد بتصفية حماس خلال أيام قليلة بعد القصف الجوي، وجدت اليوم نفسها وجها لوجه مع مقاومة جبارة لا سبيل من الهروب من مواجهتها والهدنة معها سوى عبر قبول شروطها. النصر قادم بإذن الله، خاصة بعد خروج مجموعة من الدول المحترمة لإدانة إسرائيل ومقاطعتها، في أمريكا اللاتينية وأوروبا وعلى رأسها الموقف الإسباني، ثم بعد خفوت المواقف الأمريكية والفرنسية والبريطانية التي بدأت في توجيه دعواتها إسرائيل من أجل التخفيف من الهجوم وعدم احتلال غزة.
لقد بدا جليا أن المنتظم الدولي استدرك فداحة تأييده لإسرائيل أو سكوته عن جرائمها، وهو التحول الذي يجسده تفاعل مكونات المجتمع الدولي مع استعمال الأمين العام للأمم المتحدة للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، فبغض النظر عن الموقف المخزي لممثل أمريكا بهذه الهيئة الدولية فإن باقي المكونات تدعم ما جاء في تصريح غوتيريش، بخصوص استعمال هذا البند الذي يؤكد وقوفه على مأساوية الوضع بفلسطين وغزة على وجه التحديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى